صحافية لبنانية تفضح خبايا التحرش في لبنان

تهتمّ المرأة اللبنانية بترتيب مظهرها، فالأناقة باتت عاملاً أساساً للحصول على وظيفة ولكسب احترام وإعجاب الإدارة في العمل، بالإضافة إلى الزملاء والزبائن. ولكنّ جمالها أو اعتناءها بإطلالتها هو سيف ذو حدّين، إذ يمكن أن يعرّضها لتحرّشات مدير أو حتّى زميل مُعجب. 
أضف إلى أنّ ثمّة مؤسّسات في لبنان، وخصوصاً التسويقية منها، باتت تفرض على موظّفاتها ارتداء ثياب مثيرة، فتسخّر بذلك جسد الموظّفة لجذب الزبون.صحيحٌ أنّ الرجال يتعرّضون أحياناً لتحرّش جنسي من قبل النساء، إلّا أنّ هذه الحالات نادرة.
 فالمرأة أكثر عرضة للتحرّش الجنسي لأنها تحتلّ غالباً مركزاً أدنى من المتحرّش بها في العمل، فيستعمل سلطته ويُخضِعها لأهوائه.
كيف يتمّ التحرش؟
يأخذ التحرّش بالمرأة أشكالاً مختلفة تبدأ بالنظر أو التحديق بشكلٍ غير لائق إلى جسدها. يتطوّر إلى ممارسة تعابير في الوجه تحمل نوايا جنسية كاللحس والغمز… ويمكن أن يكون التحرّش لفظيّاً على شكل أصوات ذات إيحاءات جنسية كالصراخ، أو تعليقات على شكلها أو ملابسها أو تصرّفاتها، أو أسئلة عن حياتها الخاصة أو الجنسية.
ويتجلّى التحرّش بالمرأة أيضاً بمحاولة دفعها لمشاهدة أفلام جنسية على الهاتف المحمول للمتحرّش أو جهاز حاسوبه. ويتحوّل التحرّش إلى جسدي وجنسي بواسطة اللمس والتحسّس، وصولاً إلى التعرّي أمامها، دون رغبتها.
وفي هذا السياق، يؤكّد رئيس جمعية “قلْ لا للعنف” طارق أبو زينب لـ”الجمهورية”، أنّ “التحرّش يمكن أن يكون معنوياً عندما يحدّد المدير للموظفة طريقة لِباس معيّنة، داعياً إيّاها الى تقصير تنورتها أو فتح أزرار قميصها مثلاً”.
ويرى أنّ “مجتمعنا يدّعي التحرّر والثقافة فيما يحمل في طياته مشكلات اجتماعية كبيرة في موضوع التحرّش”. 
ويلفت أبو زينب إلى أنّ “عدداً من المؤسّسات التجارية يفرض على الموظفات ارتداءَ زيّ موحد، وتكون المفاجأة بأنّ الزي يتمثّل بتنورة قصيرة جداً وقميص مفتوحة ومثيرة”.
ويؤكّد أنّ “ارتداءَ النساء للملابس المثيرة يُعتبر حرّية شخصيّة في حين أنّ إجبارهنّ على ذلك يُعتبر تحرّشاً”. ويشير إلى أنّ “المرأة تترك عملها أحياناً بسبب هذه التعدّيات على حريتها”.
بالأرقام… التحرّش في لبنان
تكشف إحصاءات أجرتها جمعية “قلْ لا للعنف” عام 2013 الأرقام التالية:
• في منطقة بيروت الإدارية: 39 في المئة من النساء العاملات يتعرّضن للتحرّش الجنسي وحوالى 7.5 في المئة منهنّ رضخن لرغبات المتحرّش بعدما سكتن على تعدّياته المتمادية، فتمكن من إقامة علاقة جنسية معهنّ.
• في منطقة جبل لبنان: تتدنّى نسبة التحرّش إلى 33 في المئة حيث تمّ استفتاء 200 سيدة وآنسة، ليتبيّن أنّ 66 مِنهنّ تعرّصن لتحرّش جنسي في العمل.
• في محافظة الجنوب بلغت نسبة التحرّش بالموظفات 29 في المئة.
وبينما تكشف الأرقام أنّ نسبة التحرّش بالنساء العاملات في لبنان ليست بقليلة، تضغط عوامل عدّة على المرأة اللبنانية فتدفعها إلى السكوت أحياناً، وتترك المتحرّش بها يتمادى بفعلته. ومن أبرز هذه العوامل، الوضع الاقتصادي السيّئ وقلّة فرص العمل والبطالة المستشرية.
المدير يتحرّش… الخضوع أو خسارة الوظيفة!
يتجلّى التحرّش في أكثر أنواعه الشائعة من خلال استعمال مدير أو مسؤول لسلطته في سبيل الضغط على الموظفات للرضوح أمام تعدّياته، فيُكرههنّ على ممارساته وصولاً الى منحه امتيازات جسدية وجنسية.
وقد يُهدّدهن بطريقة مباشرة وعلنية بالصرف أو بطريقة غير مباشرة من خلال إفهامهنّ أنهنّ لن يتقدّمن في العمل دون إرضائه، فلن يحصلن على ترقيات مهما اجتهدن ولن يحلُمن بزيادة على الراتب. 
وفي حال تعرّض هذا المدير المتحرّش للصدّ من قبل الضحية، يقوم بالضغط عليها لدفعها إلى ترك الوظيفة، وذلك من خلال توجيهه الانتقادات المتكرِّرة لها والأوامر غير المبرَّرة، وتحميلها أعمالاً فوق طاقتها. فإجبار المدير لموظفة على العمل بعد انتهاء الدوام بهدف الاختلاء بها مثلاً، شكل من أشكال التحرّش الجنسي أيضاً.
وتؤكد نتالي، وهي صحافية تبلغ من العمر 26 عاماً كانت تعمل في محطة تلفزيون في لبنان، أنّ “أحد المدراء البالغ من العمر أكثر من 50 عاماً كان يحاول التحرّش بمعظم الموظفات الشابات في الشركة”.
وتلفت إلى أنّه “كونه كان مسؤولاً عن التوظيف لم يكن يختار سوى الفتيات اللواتي يُعجب بجمالهنّ، متناسياً أنّ التوظيف يجب أن يتمّ حسب معيار الكفاءة”. 
وتشير إلى أنّ “التحرّش يبدأ منذ اليوم الأوّل لاستلام الوظيفة على شكل نظرات غير لائقة ويتطوّر ألفاظاً ولمساً وتحسّساً على مرأى الجميع في الشركة”.
“ولكلّ فتاة دورها في التحرّش، فلم يسلم منه سوى بعض النساء الكبيرات في السنّ”. 
وتروي نتالي تجربتها: “إيجاد وظيفة في مجال الصحافة ليس دائماً مهمّة سهلة، ما دفع بي وبأخريات إلى تحمّل قبلات يزرعها المتحرّش على وجوهنا مُصدِراً أصوات الأنين ومتلمِّساً أكتافنا وأيدينا وحتى أرجلنا، وذلك لحين تَوصّلنا إلى إيجاد وظيفة أخرى تُخرجنا من هذا الجحيم اليومي”.
الحلّ بكسر الصمت
وبدوره، ينصح الناشط الحقوقي طارق أبو زينب كلّ فتاة تتعرّض للتحرّش بكسر جدار الصمت. ويلفت إلى أنّ “المشكلة تكمن في أنّ التطرّق لهذا الموضوع ما زال من المحرّمات (taboo) في مجتمعنا، وهو مجتمع ذكوري لا تتجرّأ فيه المرأة أحياناً على البوح بما تواجهه من اعتداءات، لأنها تخاف من ردّة فعل أسرتها أو من المتحرّش الذي ينجح أحياناً بتهديدها وترهيبها”.
يُذكَر أنّ التحرّش الجنسي في أماكن العمل ليس حكراً على نوع عمل دون سواه ولا على بلدان دون أخرى، فهو منتشر في البلدان النامية كما في البلدان المتقدّمة.
وتؤكّد دراسة أجراها مكتب مكافحة التمييز في ألمانيا هذا العام، أنّ التحرّش الجنسي ينتشر بكثافة في البلد الأوروبي المتقدّم. وتلفت إلى أنّ امرأة من أصل 5 نساء تعرّضت للتحرّش الجسدي، وأنّ نصف النساء اللواتي شملتهنّ الدراسة تعرّضن للتحرّش اللفظي في أماكن العمل.
لا حسيب ولا رقيب
وفي حين تهتمّ الدول المتقدّمة بإرساء قوانين تحافظ على حقوق المرأة وتكبح التمييز ضدّها والاعتداء عليها، لا يزال لبنان دون قانون يعاقب على جرم التحرّش الجنسي في أماكن العمل. علماً أنّ التحرّش ليس غزلاً ولا إطراءً بل إنه ابتزاز وإهانات تطاول كرامة الإنسان، وتهديدات واضحة أو “مبطّنة”، وعنف، وجرم يُفترَض أن يعاقب عليه القانون.
آثار نفسية وجسدية
يتفاعل كلّ إنسان على طريقته مع التحرّش الجنسي، إلّا أنه يؤدّي عموماً إلى تبعات على الصعيد النفسي من بينها القلق، الاكتئاب، اليأس، الشعور بالإذلال، اللوم الذاتي، الإحراج، الخجل، الخوف، الغضب، فقدان احترام الذات، عدم القدرة على التركيز، انعدام الأمان، العزلة والتهميش. كما يؤدّي التحرّش على أنواعه إلى تبعات على الصعيد الجسدي أيضاً، تتمثّل باضطرابات النوم والتغذية، الكوابيس، القرحة، الغثيان، الإدمان على الكحول والمخدرات، الصداع، التعب، وآلام جسدية أخرى.  
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *