الإخوان والأنظمة السياسية.. لم ينجح أحد!

تحل الذكرى الخامسة لثورة ٢٥ يناير في مصر وسط مستجدات كثيرة، على رأسها تواري الإخوان المسلمين عن المشهدين السياسي والميداني.
لقد تحول الإخوان المسلمون، سواء التنظيمات المحلية أو التنظيم الدولي، إلى ظاهرة صوتية تتوزع بين الانتقام والهدم من جهة، والبكاء والعويل على سلطة افتراضية يتصورن أنها كانت ملكا لهم بصكوك إلهية وشعبية من جهة أخرى. وهذا لا يعني أن الأنظمة السياسية في أحسن حالاتها، أو أنها تعلمت من دروس الماضي غير البعيد.
من جهة أخرى، أدركت حركة النهضة في تونس أن الزمن تغير، وأن المرحلة ليست مرحلة “التيارات اليمينية الدينية المتطرفة”، ففضلت الخروج من المشهدين السياسي والاجتماعي بأقل الخسائر، إلى أن تتغير موازين القوى، أو يعود الحلفاء الأجانب والغربيون إلى دعمها كما كان عليه الأمر في السابق. وهذا لا ينفي بطبيعة الحال أن الداعمين والحلفاء الغربيين قد تخلوا تماما عن هذه التيارات والقوى، ولكنه يعني في المقام الأول أن القوى اليمينية الدينية المتطرفة تراجعت إلى ترتيب ثان أو ثالث أو رابع، وفقا لمصالح الأطراف الغربية وصراعاتها الأخرى.
أما تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى “طائفة” تبكي على الأطلال، لم يتعلم من درس النهضة في تونس، وسيطرت عليه أوهام قوة ونفوذ التنظيم الدولي، ووسائل الإعلام الكثيرة التي يمارس من خلالها بروباغندا مثيرة للسخرية والشفقة في آن واحد، وإعطاء انطباعات بقوته وتأثيره سياسيا واجتماعيا، واستعطاف الرأي العام المحلي والدولي عبر بث المبالغات وركوب أي احتجاجات أو تظاهرات. والأكثر إثارة للدهشة أن البروباغندا التي يمارسها تنظيم الإخوان وداعموه لا تقل سطحية وسذاجة عن البروباغندا التي تمارسها الأنظمة السياسية ضدهم أو ضد المتعاطفين معهم، أو ضد المعارضة بشكل عام.
على الرغم من أنه قد أصبح من الواضح أن الإخوان يلفظون أنفاسهم الأخيرة، إلا أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية لا يزال يراهن عليهم كشركاء في السلطة في هذه الدولة أو تلك. هذا الرهان لا يتعلق بقوة الإخوان ونفوذهم، بقدر ما يتعلق بتوازنات دولية وإقليمية بين القوى الكبري بالذات، يتم فيها استخدام أطراف إقليمية هزيلة وقوى دينية طائفية لتنفيذ أجندات محددة، يتوهم الإخوان أنها لصالحهم، وأنها قد تدفع بهم إلى السلطة في هذا البلد أو ذاك. ولكن كل الشواهد تؤكد أن الإخوان يلفظون أنفاسهم الأخيرة، وأن التنظيم الدولي قد بدأ يجنح إلى تنفيذ طلبيات بالوكالة بشكل لا يختلف كثيرا عن أجندات التنظيمات الإرهابية الرائدة مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وحزب التحرير الإسلامي.
فلول الإخوان المسلمين، في مصر بالذات، تواصل السطو على أي حراك اجتماعي أو احتجاجات، مكررة مشهد احتجاجات يناير ٢٠١١ وقفزها على تلك الاحتجاجات، ثم خيانتها لها ومواجهتها بالعنف تارة وبالتدليس الديني تارة أخرى، وبالعبث السياسي تارة ثالثة. ومع ذلك، فهناك رفض شعبي واجتماعي لهذا التنظيم الذي أصبح يشكل خطرا ليس فقط على الدولة والمجتمع والأفراد، بل حتى على المتعاطفين معه، لأسباب قد نتفق أو نختلف حولها. ولكن حقيقة أنه يشكل خطرا، رغم تدهور أحواله، أصبحت واضحة للجميع. والخطر هنا مرتبط بأن التنظيم يُعتبر قناة جيدة لممارسة العنف من جهة، وطرفا يمكن استخدامه من قبل تنظيمات إرهابية أخرى لإثارة الفوضى وهدم المؤسسات وقتل المواطنين، من جهة أخرى.
إن التنظيم الذي يغرب عنه الدعم الدولي والإقليمي، وينأى الرأي العام المحلي عنه، لا يزال يستخدم أخطاء وهفوات الأنظمة السياسية القائمة، وتراجُع هذه الأنظمة عن الوعود التي أعلنتها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. بل ويرتكز في نشاطاته وأعلاناته إلى عدم الالتزام بتنفيذ القانون، وممارسة العنف من جانب الأجهزة الأمنية، والتدهور الاقتصادي. وذلك لإعطاء انطباعات بأن هذه الأنظمة هزيلة وخائفة ومرعوبة، ولا تقوم بتنفيذ وعودها. وتصل الأمور إلى أن التنظيم الذي يعلو صوته في وسائل الإعلام بشكل ملفت، يعتمد أيضا على ضعف برامج مكافحة الإرهاب والأخطاء المنهجية والمهنية في هذا الصدد. وبصرف النظر عن الشماتة التي يظهرها التنظيم والمتعاطفون معه عند قتل المواطنين أو تدمير مؤسسات الدولة والمجتمع، فهذا التنظيم يستثمر كل الأخطاء، ما يستدعي العمل العلمي والميداني والاجتماعي الممنهج على محاور عديدة لحرمانه من التعاطف الشعبي، وإغلاق مصادر تمويله كبقية التنظيمات الإرهابية، والتعامل بجدية مع عمليات التنمية والتطوير، والدفع في اتجاه المجتمع العلماني المؤمن بحرية الاعتقاد والإبداع، وتجريم التمييز بكل أشكاله وأنواعه. هذه العناصر قد تكون المسمار الأخير في نعش القوى اليمينية الدينية المتطرفة، والمطرقة الأخيرة على رأس التخلف والرجعية والإساءة إلى الأديان والمعتقدات.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *