بوابة العرب اليوم تحاور الروائي الأردني الدكتور فادي الخضير الموّاج

 

 حققت رواية “أنثى افتراضية” للروائي الأردني الدكتور فادي الخضير الموّاج
نجاحاً لافتاً، وتركت صدى واسعاً في الأوساط الثقافية والأدبية، في الأردن والدول
المجاورة. ونجحها ربما تضافرت أسباب عدة، لمكانة الروائي، العنوان اللافت،
راهنية الموضوع، حسن العرض والديباجة وغيرها..
عن الرواية، وموضوعها والعلاقة بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي، وتأثير
التقنية في الناس، وبخاصة الشاب والأسر، وغيرها كانت أسئلة في هذا الحوار،
هنا نصه …
 :
 
ما سبب تسمية الرواية بهذا العنوان؟
في البدء، أشكر لك أستاذة سلوى الطريفي هذه المساحة لتسليط الضوء على الرواية، وأنت الإعلامية الحرة
الموضوعية والأديبة التي نعتز بوجودها في عالم ننتمي اليه مهما أوجعنا. وإجابة على سؤالك .. تمنح
العناوين – عادة – من المتون، ويحدث ذلك تصريحا وتلميحا، وللأدباء في العنونة طرائقهم، فمنهم من يصارح
القارئ بمتن العمل من خلال عنوانه، ومنهم من يترك للقارئ فرصة الاستكشاف عندما يعرّضه العنوان لحالة
من الدهشة، أما عنوان روايتي – التي أصبحت في يد القراء وتحت سلطتهم الذوقية والنقدية – فقد حاولت فيه
أن يكون موارباً يثير قلق السؤال، ولعل الأعمال التي تثير قلق السؤال أعمال تجترح لنفسها طريقها إلى البقاء
في ذهن القارئ، وربما جاءت “الأنوثة” في مفردة “أنثى” لتحيل إلى كل أنثى، بدءاً من اللغة، وهي أنثى،
مروراً بالمرأة، وكل إناث الكون بشراً وغير بشر، من الأم إلى الحياة إلى الرواية، إلى الثورة، إلى الفكرة
والقيمة، أما “الافتراضية” في مفردة “افتراضية”، فهي مفردة مفتوحة على أفق التأويل، لكنها يمكن – ومن
خلال البنية السطحية للخطاب الروائي – أن تحيل إلى العالم الأزرق الافتراضي، كونها تسلط ضوءاً – فيما
تسلطه من ضوء – على هذا العالم، وتجري نسبة كبيرة من أحداثها من خلاله، بمنشوراته ونكزاته وإشعاراته.
ما الذي دفعك لأن تكتب عن العالم الافتراضي؟
وجدتُ هذا العالم يحرّك قلمي ليكتب عنه، ربما لما لحضوره من بريق، ولوجودنا الطويل – نسبياً – فيه من
أثر، فضلاً عما احتضنته صفحاته الزرقاء وصناديقه الكسيرة من أحلام جريحة وأرواح تزاول البحث عن
كينونتها والتخلص من البرود الواقعي في الأحاسيس، مستعينة بما يوفره هذا العالم من فرص للبوح دون
الكشف عن الهوية أحياناً، والبوح من دون تحمّل تكاليف الكلمة، سواء أكانت كلفة مالية تتعلق بالمطبوعات،
أو كلفة معنوية تتعلق بالدعم، ففي الوقت الذي يفتقد فيه كثير من الأشخاص والمجتمعات للدعم في واقعهم
يجدون دعماً – بغض النظر عن شكله وحجمه ومآربه – عبر هذا العالم الأزرق، ولعل القصص التي احتضنها
هذا العالم الأخرس كفيلة بتسليط الضوء عليه وعلى نماذج من القصص من خلال عمل أدبي يتجاوز التقريرية
ليضع القارئ في فضاء متصوّر تخييلي يمتح من الواقع.
هل الحكاية أو الحكايات الواردة في الرواية حقيقية أم مستوحاة من الواقع أم من نسج الخيال ووحي القلم؟
الأديب ينظر للمألوف، لكنه ينظر اليه من خارج دائرة الإلف، ليفكك علاقاته ويعيد انتاجها مع ملء الفراغات
والمساحات المسكوت عنها أو غير الظاهرة لعين الإنسان في المجتمع، وربما جاءت الحكايتان الرئيستان
اللتان قامت بينهما مفارقة في الرواية صورتين من الواقع لكنهما صورتان تتكرران على امتداد القرية
العالمية. وفي وقت بات فيه العالمان (الواقعي، والافتراضي) متداخلين، بات تسليط الضوء على ملامح منهما
أمراً مهما بلغة عصرية ونبض حقيقي للواقع.
 
القيمة للإيمان بالإنسانية
ما رأيك بالعلاقات الافتراضية وهل هي أفضل من الواقعية؟
ينبغي النظر إلى العالم الافتراضي الأزرق باعتباره رديفا للعالم الواقعي، لأن شخوصه – مهما توارى بعضهم
خلف أسماء مستعارة – هم شخوص يعيشون في الواقع ويتحركون فيه، ويظل أمر العلاقات الانسانية مرتهنا –
سواء في الواقع او الافتراض – لمقدار الحرص على القيم في التعامل، فمن يظهر في الواقع ما لا يبطن لا
يختلف عمن يظهر باسم غير اسمه المضمر، فالمعوّل عليه هو مقدار ما نؤمن به بالإنسانية والقيم وحجم
الاهتمام، فالمسافات تقاس بالاهتمام، وهذا لا ينفي أن المثالية مرتفعة النسبة عبر العالم الافتراضي وهذا يعود
– ربما – الى عدم الاحتكاك الحقيقي بالأطراف الذين نتواصل معهم.
ما تأثير الرواية عليك وأنت مؤلفها؟
الكتابة لحظة مخاض تلجئ الأديب إلى جذع روحه، فتتكاثر حولها الأفكار حتى تلد الأفكارُ بناتها. والأديب يكتب
بإحساسه وبعين ثالثة يعاين فيها ملاحظاته ومشاهداته وربما تجارب المحيطين، محاولا التأثير في المجتمع،
والكتابة مشروع نهضوي نروم من خلاله عالما أفضل على كل المستويات، لكننا ننشد المثال وننطلق – غالبا-
من الواقع. فالذي أخاله مهما هو البحث عن تأثير الرواية على المتلقي والمجتمع، وهذا متروك تقديره للنقاد
والإعلام والأدباء والمتذوقين، وأنت الإعلامية والأديبة المتميزة التي يشكل رأيك فيما تركته الرواية فيك من
أثر محركا من محركات تقييم التجربة وتصحيح المسار بالنسبة للمؤلف من جهة وبالنسبة للمنتج الابداعي من
جهة ثانية.
التحرر من سطوة التقليد والتنميط
ما سر نجاح رواية ” أنثى افتراضية”، والصدى والرواج الكبيرين اللذين تلاقيهما؟
الكاتب هو الناقد الأول الذي يقيم مع نفسه عقدا ضمنيا لتوجيه عمله بما يحقق رؤيته ويحافظ على نسق
الخطاب الروائي والحكاية فيه دون أن يقع ضحية الارتهان لسطوة التقليد والتنميط، وكلّما تأنى الكاتب في
عمله واعتنى به وقلّمه وسقاه كلما كان العمل أقرب إلى النجاح، ولعل تجربة ” أصحاب الحوليات” تؤكد أهمية
التأني في إصدار العمل الأدبي ليخرج مكتملا ما أمكن وغير مشوَّه أو مشوِّه. أما عن ” أنثى افتراضية” فقد
استغرقت كتابتها ثلاث سنوات، مع حرص على ملامستها الواقع ومعاينته بعين المراقب الذي يوظف أخيلته
ورؤاه في استكمال عرى الفكرة، والإلماح إلى المسكوت عنه فيه، وإقامة المفارقة التي تمكّن القارئ من
معاينة ما يحيط به في ضوء ما تفرزه المفارقة من صور ذهنية وأنماط سلوكية. ومن المؤكد أن الأدب الجيد
يحتاج – ليظهر – أن يتهيأ له متلق جيد ” قارئا أو ناقدا” وأستطيع أن أقول – بكل ثقة وامتنان – أن هذا
والحمد لله قد تحقق وبنسبة كبيرة لرواية أنثى افتراضية، فقد وجدت قارئا واعيا عميقا ونقادا يسبرون أغوار
البنية العميقة للخطاب الروائي فضلا عن بنيته السطحية.
ما نصيحتك للشباب والفتيات المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي؟
التواصل – بغض النظر عن أدواته وبيئاته – يحتاج لامتلاك الفرد جانبا كبيرا مهارات الاتصال، بالإضافة إلى
الوعي، لأنه في النهاية حوار عقول وتتسرب من خلاله مشاعر وأحاسيس. والرهان في ذلك كله على الوعي
وامتلاك مهارات الاتصال، سيما مع هذا التنوع في الرموز التعبيرية المصاحبة لوسائل التواصل، والتي تشكل
واحدا من موجهات الاحاسيس لدى الفرد سيما إذا كانت تجربته في التواصل محدودة، فضلا عن خطورة
استغلال هذا التواصل لغايات مضمرة. وفي عالم غدا قرية صغيرة لا يملك أحد أن يحجب أحدا خلف جدران
العزلة لكنه من المهم شحذ الفكر بجملة من المفاهيم والقيم اللازمة للتعامل مع الآخر، انطلاقا من أن احترام
الفكرة شيء والإيمان بها شيء آخر.
الإنترنت .. علاقة مع كرة ملتهبة
هل تنصح الأطفال والأشبال والقاصرات باستخدام الإنترنت وما ارشاداتك لهم؟
القضية- في اعتقادي – ليست قضية سماح بقدر ما هي قضية توعية، فنحن أمام جيل متسارع الخطى نحو
المستقبل والتكنولوجيا، فإذا ولد فادي أو سلوى وبيد كل منهما قلم فإن جيلا ولد وفي يده “كتلة ملتهبة” تتمثل
في هاتف يضع العالم بين يديه، بخيره وشره، وبأخياره وأشراره، فلم يعد مجديا تحذير الفرد من رفقاء السوء
بقدر جدوى توعيته بالجيد والسيء من الأمور، وهذا يحتاج لمناخ أسري حافز على الفضيلة وقادر على التأثير
في خضم مؤثرات الانترنت والاعلام والفضائيات والشارع.
هل ترى أن الفيسبوك سبب في تدمير نفسيات بعض الأفراد؟
طريقة التعامل مع الناس والأشياء من حولنا هي السبب في كثير مما يحدث، فقد قال أديسون ” دائما هناك
طريقة أفضل” ، والحقيقة أن الوعي هو الأساس، فعندما يغيّب الوعي يصبح المجتمع – سواء أكان مجتمع
الأسرة أو مجتمع الفيسبوك أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعي – هشا وعرضة للضياع والتيه، ولذلك فإن
كثيرا من الضحايا، ضحايا الفكر، أو ضحايا المشاعر، أو غيرها، هم من أولئك الذين غيّبوا الوعي خلال
تعاملهم أو كانوا بالأصل ضحايا لتغييب الوعي. وفي النهاية المجتمع هو المجتمع سواء اكان واقعيا او
افتراضيا، والمسألة مسألة وعي وقيم ومهارات وتراكم خبرات.
علاقات خائبة
لماذا ركزت في شخصيات الرواية على المتزوجات وانجرارهن لعلاقات افتراضية؟
الفراغ العاطفي أو “الجفاف العاطفي، بتعبير الدكتورة الجزائرية هبه خياري في دراستها حول رواية أنثى
افتراضية” بيئة حافزة على بناء العلاقات، ولعل الخيبات تتركز – في نسبة كبيرة منها – لدى المتزوجات
اللائي يواجهن خيبة الواقع بعد الصور الذهنية والوجدانية المتخيلة للحياة الزوجية قبل أن يدخلن أسوارها،
وما ينسحب على الزوجة ينسحب على الزوج ، ولعل العالم الافتراضي يوفر فرصا قلما يوفرها الواقع تتمثل في
الجرأة في البوح، والاستدراج، والتعاطف أحيانا، بدافع من السرية التي يوفرها حوار الصناديق الكسيرة
والرسائل، فضلا عن المثالية والملائكية التي يظهر بها مستخدم العالم الافتراضي عادة، سواء أكانت مع سبق
الترصد أو دونه، وهذا يفتح أفقا عريضا للتواصل والتراسل، ترافقه دفقات إحساس وشحنات عاطفية، ليجد
الشخص نفسه نهبا بين أسرة ينتمي لأوجاعه فيها، وكتفين افتراضيين يسند رأسه عليهما بما فيهما من دفء
واحساس ورقي. في النهاية تظل المسألة مسألة ايمان ينبغي أن يتحقق بأن الروح والجسد يكمل كل منهما
الآخر، ولا تستقيم حياة قوامها الجسد وحده، ولا حياة قوامها الوجدان وحده، وهذه واحدة من الأفكار الرئيسة
التي جاءت الرواية لتؤكدها.
الفراغ العاطفي ليس شرطاً لـ”الخيانة”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *