هل انقضت “شهور العسل” بين إخوان تونس وشركائهم في السلطة؟

دفعت خسارة حزب “نداء تونس” الحاكم، في الانتخابات الجزئية البرلمانية عن دائرة ألمانيا، إلى التحرك لفكّ الارتباط مع شريكه في السلطة؛ حركة النهضة ممثل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في تونس.

وشنّ قادة الحزب الحاكم الذي أسّسه الرئيس الحالي، الباجي قايد السبسي، حملة سياسية وصفت بالضغوط على القصر الرئاسي، لإنهاء العلاقة بالحزب الإسلامي، في تصعيدٍ جديد قد يعصف باستقرار الحكومة والهيئات الدستورية التي يقودها الائتلاف الحاكم بجناحيه: حركة نداء تونس وحركة النهضة، وهما حزبان متناقضان أيديولوجيًا إلى حدّ كبير.

مراجعة عميقة.

وقال منجي الحرباوي المتحدّث باسم حزب “نداء تونس” إنّ الحزب “قرّر القيام بمراجعة عميقة لعلاقته مع حركة النهضة، وسيعلن قراره بعد اجتماع هياكله نهاية الأسبوع الجاري”.

و أضاف، أن حزبه يتجه رسميًا نحو فك الارتباط، وإلغاء فكرة التوافق مع حركة النهضة الإسلامية، بعد الأضرار الفادحة، التي تسبّب فيها هذا التحالف على أوضاع حزبه و مستقبله السياسي، بحسب قوله.

من جانبه، أكّد المكلف بالملفات السياسية في “نداء تونس” برهان بسيّس، في تصريحات إذاعية ، أن “حزب نداء تونس يتّجه إلى مراجعة علاقته السياسيّة مع حركة النهضة”، مشدّدًا على “رفض حزبه تكرار مثل هذه التجربة الفاشلة في الانتخابات المقبلة”.

وقال إنّ “كثيرًا من الأصوات داخل الحزب أصبحت غير راضية عن الاستمرار في التحالف مع حركة النهضة، وباتت ترى أنّ العلاقة السياسية القائمة مع النهضة أضرّت كثيرًا بالحزب وبرنامجه وحضوره في المشهد السياسي؛ ما يفسّر نتيجة الانتخابات الجزئية في ألمانيا”.

وأوضح القيادي الحزبي، أن “نداء تونس غلّب على مدى العامين الماضيين مصلحة البلاد، على أساس الاستقرار والحفاظ على مؤسسات الدولة، من خلال الدخول في ائتلاف سياسي واسع تشارك فيه حركة النهضة، لكن اتّضح اليوم أنّ الأمر لم يكن بالصورة المثلى التي تصورناها، خاصّة أننا مقتنعون أنّ ياسين العياري نجح بفضل حصوله على أصوات أنصار حركة النهضة”.

 وأردف قائلًا:”نحن لسنا مستعدّين لتكرار مثل هذه التجربة في الانتخابات المقبلة”، مضيفًا: “لا يمكن أن نستمرّ في هذا الوضع، لنجد خلال الانتخابات المقبلة القاعدة الواسعة لحركة النهضة تصوّت مثلًا لرئيس حزب حراك تونس الإرادة، أو الرئيس السابق المنصف المرزوقي”.

انزعاج و اتهامات. 

وأزعجت تصريحات القيادي البارز في حزب “نداء تونس” برهان بسيس هذه، زعيم الحركة الشيخ راشد الغنوشي، الذي وصف تجربة التحالف بين الحزبين بالفاشلة، ودعا إلى مراجعة العلاقة السياسية التي رسّخت لتعايش مضطرب بين الطرفين منذ فوز الباجي قايد السبسي بانتخابات الرئاسة التي جرت أواخر العام 2014.

وشجبت حركة النهضة – وهي أقوى حزب إسلامي في البلاد منذ الإطاحة بحكم زين العابدين بن علي في يناير/كانون الثاني 2011- الهجوم السياسي والإعلامي لقادة “نداء تونس”، متهمةً إياهم بــ”محاولة تسميم الأجواء السياسية، وتهديد المسار الانتقالي الديمقراطي في البلاد، وإثارة التوتر والاحتقان لتقسيم التونسيين”.

وذكرت “النهضة” في بيانٍ حاد أنّها  “تحرص على بذل قصارى جهودها، لتنقية المناخ السياسي في البلاد، بما يدعم مقوّمات الاستقرار ويخلق شروط النموّ ويدعم الحكومة التونسيّة ومؤسسات الدولة لأداء مهامها في هذه المرحلة الدقيقة، التي تفرض على الجميع تغليب منطق الوحدة الوطنية والعليا للبلاد على المصالح الحزبية الضيّقة”.

ودعت “كل الأطراف والقوى السياسيّة إلى الانخراط، كل من موقعه، في إنجاح الانتخابات البلدية المقبلة “في كنف التنافس خدمة للمواطنين وللصالح العام في تونس”، ما يؤكد رفضها التنازل عن الائتلاف الحاكم ودفاعها عن “التعايش” مع التيار العلماني ممثلًا في حركة نداء تونس.

و قال العجمي الوريمي، النائب عن حركة النهضة،  إن التعايش المشترك مع حزب “نداء تونس” هو خيار استراتيجي، اتّخذته الحركة الإسلامية التونسيّة، من منطلق المصلحة الوطنية.

و أضاف، أنه من غير المنطقي أن تطالب بعض الأطراف السياسية اليوم، بإنهاء هذا “التحالف الاستراتيجي”، بعد ما وصفها بـ”المكتسبات الكبيرة”، التي حقّقها التوافق بين الحركتين للبلاد، على المستوى السياسي، كما على المستويين الأمني والاجتماعي.

و أبدى القيادي البارز في حركة النهضة، استغرابه من محاولة هذه الأطراف ضرب العلاقة التي وصفها بـ”القويّة” بين النهضة ونداء تونس، والترويج بأن حركة النهضة غدرت بشريكها في الحكم، إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا، معتبرًا  أن نتائج هذه الانتخابات، أضرّت بالنهضة، و نداء تونس على حدّ سواء.

لكن مراقبين و متابعين للشأن السياسي في تونس، يرون في فوز ياسين العياري بمقعد البرلمان عن دائرة ألمانيا دليلًا على “خداع” النهضة لـ”نداء تونس”، إذ أنها ورغم إعلان دعمها لمرشح النداء في الانتخابات الجزئية، فهي تركت حرية الاختيار لأنصارها في التصويت لمرشحهم في الانتخابات.

ضربة قاصمة.

واعتبر الناشط السياسي التونسي، محمود البارودي  أن نتائج الانتخابات التشريعية الجزئية في ألمانيا، “مثّلت ضربة قاصمة” لما وصفه بـ”التوافق الهش”، بين النهضة و نداء تونس.

و قال البارودي، إن التوافق بين النهضة، و نداء تونس انتهى عمليًا اليوم، بعد “شهور من العسل”، وإن مستقبل الحركة الإسلامية في تونس أصبح على المحك، بعد أن باتت مهدّدة بـ “العزلة”، على ضوء المستجدات الأخيرة، و توجّه نداء تونس نحو فك ارتباطه بها.

لكنّ المحلّل السياسي التونسي،عبد الله العبيدي، قال   إن فك الارتباط بين النهضة، و نداء تونس، يصطدم بواقع سياسي مختلف، بعد سنتين ونصف من التحالف والتعايش والصفقات الثنائية، مما يفقد القيادة الحالية لنداء تونس مصداقيتها، في حال اختارت الدخول في مواجهة سياسيّة مع حركة النهضة”، بحسب تعبيره.

و قال العبيدي:”ليس هذا فقط ما يواجه حزب نداء تونس”، بل إن الخطاب الذي يتبنّاه الحزب سبقه إليه حزب مشروع تونس، الذي كان قد انسلخ عن “نداء تونس” بسبب “التقارب مع النهضة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *