إسرائيل تكرّم مؤسس الإمبراطورية الفارسية

 
أصدرت إسرائيل، الثلاثاء الماضي، طابعا بريديا يحمل صورة لإسطوانة طينية اشتهرت بإسم “بيان قوروش”، وذلك تكريما للملك الإخميني الذي ينسب إليه هذا البيان وهو “قوروش بن كمبوجية” محرر اليهود بعد سيطرته على ما بين النهرين (العراق).
وبحسب موقع إذاعة إسرائيل الناطقة بالفارسية، نشرت الدولة العبرية هذا الطابع تكريما “لقوروش العظيم”، وذكرت أن عالم التاريخ الإسرائيلي “أمنون نتصر” المتخصص في شؤون يهود إيران التوفي أكد في مقابلات عدة أن “التوراة الذي حافظ على إسم قوروش يعد الوثيقة التاريخية الأكثر وضوحا التي تذكر إسمه.”
وكان “قوروش بن كمبوجية بن قوروش بن جيشبيش بن هخامنش”، الملقب بقوروش العظيم (بالفارسية: كوروش بزرگ)، أعظم ملوك الفرس على الإطلاق حيث استولى على العراق (بين النهرين) وقضى على حكم نبوخذنصر ببابل، كما استولى على آسيا الصغرى (تركيا اليوم) وميديا (كردستان الحالي)، وحكم من 529 إلى 550 قبل الميلاد وقتل في ماساجت في آسيا الوسطى.
ونشرت إسرائيل الطابع البريدي بعدة نسخ إحداها باللون الذهبي والأزرق عليها صورة لإسطوانة طينية منسوبة لقوروش، في حين يشكك البعض في صحة ما كتب على هذه الأسطوانة التي يقول مؤيدوها إنها تدعو إلى المساواة بين الشعوب وحرية الأديان.
لكن، يذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك، حيث يرون أنها مزورة تماما من قبل مستشرقين يهود بغية إحياء القومية الفارسية، ويؤكد المؤرخ الإيراني “ناصر بوربيرار” بأن “معاداة العرب هي السمة المشتركة التي تربط الحركة الصهيونية والنزعة الفارسية لإحياء إمبراطوريتهم”، ويدخل “بيان قوروش” المزور حسب اعتقاده “خدمة لإحياء الحضارة الفارسية قبل الإسلام”.
وفي سياق استعادة الأمجاد السحيقة وتحقيق حلم الإمبراطورية كان شاه إيران محمد رضا بهلوي أهدى في العام 1971 نسخة مقلدة لهذا البيان إلى الأمم لمتحدة، مرفقة بالترجمة الإنجليزية والفرنسية ليظهر عظمة الإمبراطورية من خلال تبنيها حقوق الإنسان قبل 2500 عام.
ورغم الشكوك حول النسخة الأصلية، يقال إنها اكتشفت في القرن 19 تحت أطلال مدينة بابل في العراق، وهي عبارة عن أسطوانة مصنوعة من الفخار كتب عليها بالخط واللغة الأكديين، وهي لغة عراقية قديمة من فروع اللغات السامية. وهي تشرح هزيمة نبوخذنصر، إلا أنها تمجد مردوخ إله بابل، بالإضافة إلى تمجيدها لقوروش الذي فرض سيطرة الفرس على منطقة الشرق، بعد أن قضوا على أهم حضارة بشرية حينها وهي حضارة الرافدين حتى ظهور الإسلام بعد 1200 عام تقريبا.
وخلافا للنسخة المترجمة التي قدمها الشاه للأمم المتحدة، يؤكد علماء اللغة بأن النسخة الأصلية لم تشر إلى مفاهيم من قبيل إلغاء العبودية ومنح الحكم الذاتي للشعوب الخاضعة لقوروش، والمساواة في الأجور وحرية المرأة، وهي مفاهيم ظهرت مع التطور الفكري والسياسي في الغرب. 
وثمة مؤرخين غربيين يعارضون بشدة محاولات الإيرانيين والإسرائيليين لمنح قورش صفات لا يستحقها، وإعطاء الحضارة الفارسية مكانة لم تبلغها.
ويقول المؤرخ الهولندي “جونا لندرنغ” من خلال تسليط الضوء على قوروش والأسطوانة الفخارية المنسوبة إليه: “كل ما نقل في التاريخ حول الملك الأخميني قوروش ليس إلا كذبة وتواطؤ تاريخي، حيث استخدم محمد رضا بهلوي آخر ملوك إيران إسم وهوية قوروش الكبير دعائيا.
وألحق لندرنغ رأيه بهذا الخصوص بموضوع حول قوروش في موسوعة ويكيبيديا. (Sciolino, E. (2000). Persian Mirror  Touchstone).
وشرح المؤرخ الألماني “ميتيوس شولز” في مقال نشره عام 2008 في صحيفة اشبيغل، أن “الأسطوانة التي يصفونها بأول بيان حول حقوق الإنسان (بيان قوروش) وتعرض نسخة منها حاليا في الأمم المتحدة ما هي إلا رمز دعائي مخجل”. متحدثا عن الترجمة المزورة للبيان. 
وفي وقت لاحق من عام 2008، نشرت صحيفة ديلي تلغراف تقرير حول بين قوروش وخلافا لعقيدة القوميين الفرس، استنتجت الصحيفة أن قوروش كان ملكا دمويا ظالما أرغم الشعوب على طاعته بالقوة، وأن كافة الصفات الحميدة المنسوبة إليه من قبيل احترام حقوق الإنسان والحضارات ما هي إلا كذبة تاريخية روجت لها أسرة بهلوي في العام 1970، وما ذكر بهذا الشأن تحت عنوان فصل من فصول بابل هي دعاية ليس إلا.
 وثمة مؤرخون وباحثون غربيون يتفقون جميعا على أن ما يستنتج من بيان قوروش حول تحليه بالعدل ودفاعه عن المساواة بين الشعوب والأديان، لا أساس له من الصحة، ومنهم “كلائوس غالاس” و”دي كويته ويله”، و “بروفيسور روت” و”اميليه كوهرت”، و”ولفرد جي لمبرت” الذي يبدد الإدعاءات الإيرانية والإسرائيلية حول عدالة قورش فيؤكد من خلال نظريته التاريخية بهذا الشأن: “لم يتبن قوروش سياسة جديدة تجاه الشعوب التي خضعته له، حيث أمر بتدمير المعابد ونهب عاصمة الميديين هكماتانا (همدان اليوم)، وبعد حرب اوبيس (على ضفاف دجلة)، نهب وسلب (بابل) وقتل عددا كبيرا من الناس في (بين النهرين)”.
يذكر أنه بعد سقوط بابل على يد قوروش الأخميني توقفت حضارة بين النهرين وبقي العراق تحت نير الإمبراطورية الفارسية، حتى تحرريه بفعل الفتح العربي الإسلامي، لتصبح بغداد بعد قرن ونيف من الزمن عاصمة الخلافة الإسلامية ومركزا لنشر العلم والفكر والأدب لخمسة قرون قبل أن تسقط في الهجوم المغولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *