أين وفاء الأمة للبررة الأوائل

 هل تردون غيبة ابنة الصديق؟!«٤» 

عزائـــــي.. لعائشتنــا المصـــون!!..
بعد كل ما تقدم في الحلقات السابقة وإن كان جزءًا يسيرًا.. في لمحات خاطفة من سير صحابتنا الكبار الأبرار.. وسيدتنا الطاهرة العفيفة أمنا السيدة عائشة «رضي الله عنهم جميعًا»..
نستعرض شيئًا عن حادث الجمل وصفين لحين الحديث المفصل عنه.. وذلك ببيان ما علق بهما من روايات كاذبة وأحاديث ملفقة وحكايات وروايات ما أنزل الله بها من سلطان.. أرادوا بها أن يهيلوا التراب على صدر أمة كان لها من السبق والمجد.. كان لها من الفضل والمكانة الذي لا ينكر والجميل والعرفان الذي لا يسدد لعظمه وشرفه ومدى قيمته..
وحين نتعرض الآن لتلك المسألة «وأقصد حادث الجمل وصفين» نصطدم بأول زيف والذي يتعلق بخروج عائشة لملاقاة علي «رضي الله عنهم جميعًا»..
وهذا ما نؤكد عليه ويعلم الله وسوف يتأكد للجميع يوم أن نلقاه سبحانه وتعالى أننا ما كنا نقول إلا الله .. لأننا لا نأمل إلا رؤية نور وجهه الكريم.. وصحبة هؤلاء السادة الأشراف العظام الأبرار الكرام.. رفقة مصطفى البشرية وفخرها «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم»…
نؤكد أن خروج السيدة عائشة لم يكن خروجًا للقتال البتة.. منطق لا يقبل العقل سواه.. استنادًا إلى أنها كانت اللصيقة والمقربة إلى رسول الإنسانية… فلا يمكن أن نلصق بها نقيصة في أي حال من الأحوال مثلما أنه لا يمكن بل من المستحيل وهذا ما لا يقبله عقل أو منطق أن الإمام علي ولي المتقين وإمام العادلين أن تكون هذه مشاعره من أم المؤمنين.. بل مستحيل أن يقف أمام بعضهما بعضًا.. وإنما كان خروجها للإصلاح والمطالبة بقتلة عثمان..
لقد خرجت عائشة «رضي الله تعالى عنها» للتشاور والتصالح مع علي «رضي الله عنه» لا من أجل القتال كما يزعم المغرضون سواء من الشيعة أو بعض المعاصرين الذين يحاولون أن يجدوا لهم أدوارًا في مشهد عظيم جدًا عليهم.. أساسًا لأنها موضوعات بعيدة كل البعد عن مستوياتهم الثقافية وشخصياتهم العبثية..
نحن لا نصادر على الخلق أن يطوروا من أنفسهم وأن يتدرجوا في الحياة الدنيا وتكون لهم المكانة الفكرية.. لأن هناك أصول وقواعد يجب أن تتوفر فيهم لكي تؤهل للوصول إلى هذه الأحلام.. بشرط أن الغايات لم تكن لمجرد عمل شخصيات بطولية لهم.. وإنما لتكون في خدمة هؤلاء السادة العظام.. وإن كانوا لا يحتاجون هذه الخدمات.. بل إن الذين يكتبون عنهم هم الذين يغتنون ويثرون.. لأنهم حين يروون سيرهم على الوضع الصحيح والسليم لما في ذلك من تجديد للإيمان وتنشيط الذاكرة والتاريخ كي نجدد عظم العبرة والعظة في إعادة بناء وتشييد الأمة من جديد…
وننصح إن كان كل ما يهمهم السعي وراء بطولات وعمل نجومية فقط لهم … فالموضوعات والإشكاليات وراء ذلك العبث كثيرة.. هي القادرة على استيعابهم شيء هكذا يليق بقدرهم… ولكن بعيدًا عن ساحة الكبار الأبرار…
وأما ما انتهى إليه من نشوب الحرب بين الطرفين فلا يرجع إلى السيدة عائشة «رضي الله عنها» ولا كذلك إلى الإمام علي بن أبي طالب «كرم الله وجهه» وإنما يرجع إلى فئة من المنافقين هم قتلة سيدنا عثمان «رضي الله عنه» الذين لم يرضهم الصلح الذي كان سيتم بينهم.. لأن ذلك سيكون على حساب رءوسهم.. فقرروا إشعال الفتنة والحرب بين الطرفين بطريقة ماكرة.. حتى ينسى أمرهم..
إنها خديعة.. إنه عهد.. إنه ذلك البشر الذي يبتلينا بهم الزمان.. في كل زمان ومكان.. وما أكثرهم الآن.. الذي يأكلون على كل الموائد وبالتالي يسعون إلى التفرقة والتشتيت حتى يجدوا أدوارًا يلعبونها.. لأنه إذا كان هناك الوحدة والتوحد والأخوة والوئام.. فماذا هم فاعلون؟؟!!!… وهم فقط رءوس شر!!!!.. أبواق باطل!!!.. أصحاب مصالح شخصية!!!.. كل ما يسعون وراءه هو المال!!!… فكانت الجرأة على استحلال الدماء بالسيف.. بقتل أشخاص بعدد أصابع اليد الواحدة لتأجيج الفتنة.. تمامًا مثلما يحدث في عصرنا الحديث فإذا كان في الماضي الوشاية وإثارة الشائعات قدر استطاعتهم لأنه لم تكن هناك الوسائل الإعلامية كما هو في عصرنا الحالي.. التي تساعد على سرعة سريان الفواحش والباطل والكذب والأراجيف… التي تصل في زماننا هذا إلى إسالة الدماء لمئات الآلاف.. لماذا ؟؟!!.. لأن إساءة استخدام الكلمة.. والباطل الذي تحتويه والكذب لهتك عرض قيم المجتمعات وأخلاقياتها وزعزعة ثوابتها.. أشد حدة من السيف.. لتفوق وتتفوق على مجرد إطاحة عدد رءوس قليلة من البشر كما في الماضي.. ذلك البشر اللعين الكفيل بتخريب الأمة بأكملها.. ليس فقط كل وطن على حدة…
وهكذا أرجو أن أكون قد أجبت على الموتورين.. الزنادقة.. الذين حاولوا ولا يزالون يلصقون موقعة الجمل وصفين بأنها كانت بسبب عداء بين السيدة الطهور عائشة وعلي إمام العادلين وولي المتقين..
كل همي هو أنني أنجح وأنا أسطر هذه السطور.. أنه لا يجب أن نحكم على هذه الصحبة الشريفة العلية العالية بنفس حساباتنا.. وضعف تقييمنا.. نحن المهترئين العاجزين الأقزام المفلسين الصعاليك.. لأنه من نكون نحن وعن من نتحدث بعدما حسم القرآن الكريم فضلهم ومكانتهم..
لقد كانت هذه الخديعة في الليلة التي تم فيها التصالح.. إذ بات الناس.. ليلة هادئة.. إلا أن المنافقين قد عزموا على ألا يتم الصلح.. لابد وأن تستمر شرارات الفتنة حتى يتكسبوا ويتربحوا من ناحية.. ومن ناحية أخرى حتى لا يفتضح أمرهم وأنهم كانوا أصحاب الوشاية.. فقرر هؤلاء المنافقون أن يندسوا في معسكر الفريقين فجعلوا يقتلون بعضًا من كلا الطرفين.. لتكون المفاجأة والدهشة فكانت الصدمة الكبرى حين ظن الإمام علي أن جيش السيدة عائشة قد غدر بهم.. تمامًا مثلما ظنت السيدة عائشة أن جيش الإمام علي قد غدر بها ومن معها..
هكذا أحكم المنافقون قبضتهم على الموقف حتى أنهم لم يعطوا الفرصة والوقت الكافي لكلا الطرفين لمجرد هذه الليلة لأنهم كان عليهم أن يدفعوهم إلى الحرب دفعًا.. تلك الحرب التي كانوا لها كارهون..
سرعة الأحداث وشدتها وقسوتها لم تمهلهم من التثبت إذ تم شيوع وذيوع تلك الحوادث.. لتتوالى الأحداث بسرعة دون التثبت..
هكذا دومًا الخيانة أسرع.. الغدر أقوى.. المكر هو المبغى والمسعى الحقيقي حتى تتم الحماية الكافية للشر وترسيخ أركانه وبكل أسف لحظة أن يكون هناك الصدق والإحساس الكامل بالأمان.. هذه هي لغة المنافقين.. هذه هي لغة الشر.. هذه هي لغة الخيانة والغدر.. انتهاز الفرص.. وتعكير صفو السلام لاستدعاء شياطين الإنس والجن دومًا في كل العصور على مر الأزمان.. ولا أدري كيف يتم تجاهل موقفهم المؤسف الخطير ومحاولة جعل القضية أو المسألة أو الإشكالية بين إمام المتقين وأم المؤمنين.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. وإنا لله وإنا إليه راجعون..
والله إنني لأشعر أن الله يغير عليهما وينتقم لهما.. حين يتم توالد تلك الفئة المنافقة على مر الزمان مع كل الناس.. الذين وبكل غرابة نغض البصر عنهم دومًا.. نسير على هذا المنهج الوتير المريض الأعمى.. لا نبحث عنهم ونبحث عن الرموز.. بل إننا نسير وراءهم في هذه الأيام.. في آخر الزمان.. إذ أننا نصنع منهم نجومًا عظامًا.. نلتف حولهم.. ونصدق كذبهم.. ونكون شرارة لنيران فتنهم..
نعود.. ظهر جليًا بكل وضوح أن الذي حمل شر هذه الفتنة بشكل مباشر.. هم الذين حملوا اسم قتل عثمان والتأليب عليه.. أي أنها كلمة حق ولكن أريد بها باطل عظيم.. «فالسبئيون» الذين هم أنصار عبدالله بن سبأ هم الذين ائتمروا بالجيشين وقد أشرفا على الصلح هؤلاء المنافين بنية سوداء كانت كاذبة.. أسرعوا ليباغتوا الطرفين لسرعة نشوب القتال.. بل واحتدامه لأنه طبعًا في هذه الظروف كان نقض العهد والميثاق.. مما يدعو أي قيادة مسلمة تأكلها الغيرة في هذا الموقف.. وبهذا أعجلوهما عن حتى التروي والتثبت..
وإن شاء الله هؤلاء السبئيون المنافقون يحملون وحدهم وزر ما حدث.. عليهم وحدهم هذه الألوف الخمسة عشر من الدماء المهراقة تمامًا مثلما كما كان عليهم وحدهم إثم قتل عثمان مباشرة..
لنجد أنفسنا هكذا نقف أمام شبهة في غاية القسوة يقدمها لنا الشيعة الروافض وبلا رحمة.. مما يزيد من ألمي كيف أنهم يحبون رسول الله ويتربصون بزوجته بهذه الصورة؟؟!!.. ومن المفضلة له بعد السيدة خديجة «رضي الله عنها» تلك الشبهه القاسية!!!.. ولا أعرف كيف سيقابلون رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بعد هذه الإساءة البالغة!!!… وبأي وجه؟!!.. وماذا سيقولون؟؟!!.. إنها شبهة تتعلق بمعركة الجمل وموقف السيدة عائشة منها.. وهي أن السيدة عائشة «رضي الله عنها» أم المؤمنين حين رموها ببهتان عظيم وأنها قد استباحت قتال المؤمنين في هذه المعركة..
وهو أمر بكل تأكيد لم يحدث ولن يحدث من امرأة امتلكت ربع هذا الدين وتعلمته من النبي «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم» ونستدل على ذلك بما أورده الزهري في كتابه المغازي.. إذ يقول «إن السيدة عائشة بعد معركة الجمل قالت: إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني.. ولم أحسب أن يكون بين الناس قتالي.. ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبدًا»..
وهذا دليل صريح.. وبرهان صحيح على أن السيدة عائشة لم تفكر في قتال المسلمين ولا أن يقتتلوا ولا أن يقتل بعضهم بعضًا.. كيف ذلك وهي التي خرجت للصلح بينهم؟؟؟!!.. كيف ذلك وهي التي رماها الشيعة الرافضة «عليهم لعنة الله» بأنها لم تستمع لكلام رسول الله في قصة «ماء الحوأب»؟؟!!… كما بينّا وأوضحنا في حلقة سابقة…
إذن فادعاء أن السيدة عائشة قد استباحت قتال المؤمنين لا أساس له من الصحة وهو ادعاء باطل من كل وجوهه ولا يثبت البتة بدليل قاطع.. فكل الروايات الصحيحة التي تطمئن إليها النفس تؤكد على أن السيدة عائشة ما خرجت إلا للإصلاح..
أما ما جاء من أقوال وروايات على خلاف ذلك أو تضمن اتهامات صريحة للسيدة عائشة فإنها بكل تأكيد قد وضعتها «الشيعة الروافض».. والتي استطاعت فيها تشويه تاريخ صدر الإسلام حتى وكأنها جعلت الأحداث التي مرت بين السيدة عائشة ومن معها وبين الإمام علي حربًا أهلية لدرجة أن البعض منهم قال إن السيدة عائشة قد أُسرت..
وهذا كلام وإن ورد في بعض المصادر فهي مصادر غير موثوق بها من ناحية.. وغير موثقة من ناحية أخرى.. فضلًا عن أنه لا يقبلها العقل أساسًا.. أي أنه لو قلنا أن الصحابة بشر وغير معصومين.. فمن المستحيل أن يقع منهم أي خطأ كهذا.. مستحيل!!…
أقول لكم..
من ينكر ويستنكر ذلك الخطأ من السيدة عائشة إنما هو ذلك المؤمن الذي يؤمن بالله إيمانًا كاملًا وبرسوله وبالتالي يؤمن بزوجاته وما مكانتهم فضلًا عن إيمانهم الصحيح بالصحابة الكرام.. ومن يحاول التشكيك في ذلك.. يعتبر إيمانه ناقصًا.. لأنه قد شكك في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.. والنبي «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم» يقول: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي».. وفي رواية: «سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى»..
حتى بلغ من إسفاف هذه الدعاوى الباطلة التي تحاول أن تختلق مرويات موضوعة كاذبة ملفقة للنيل من السيدة عائشة.. أنها ادعت ونسبت حديثًا زورًا للنبي: «تقاتلين عليّا وأنت له ظالمة»… وبالضرورة هذا الحديث الموضوع الذي لا أصل له ولا سند بل هو كذب قطعًا.. وذلك لأن السيدة عائشة لم تقاتل.. ولم تخرج للقتال.. وإنما خرجت من أجل الإصلاح بين الناس كما أشرنا وأوضحنا وأكدنا مرارًا وتكرارًا… «فهي لا قاتلت ولا أمرت بقتال على ما جاء من أخبار صحيحة»..
ولعل أكبر دليل على أن السيدة عائشة لم تحدثها نفسها بقتال.. أن سيدنا علي رد السيدة عائشة إلى مأمنها معززة مكرمة.. فجهز لها كل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع.. وأخرج معها من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام… واختار لها أربعين امرأة من البصرة المعروفات وقال: تجهز يا محمد «ابن الحنفية»… فبلغها…. فلما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها… وحضر الناس… فخرجت على الناس… وودعوها وودّعتهم.. وقالت: يا بني، تعتب بعضنا على بعض استبطاء واستزادة…. فلا يعتدين أحد منكم على أحد بشيء بلغه من ذلك…
إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلاّ ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه عندي على معتبتي من الأخيار.. وقال علي: يا أيها الناس، صدقت والله برّت، ما كان بيني وبينها إلاّ ذلك… وإنها لزوجة نبيك «صلى الله عليه وسلم» في الدنيا والآخرة.
بعد هذا الحديث.. ما موقفنا منه؟؟!!.. هل لنا أن ننكره؟؟!!… لماذا لم نقف عنده؟؟!.. كيف لم يؤثر فينا؟؟!!.. لماذا لم يكن لنا مرشدًا ومنهجًا صحيحًا وصريحًا ودليلًا على أنهم لم يقفا ضد بعضهما بعضًا؟؟!!..
وبتلك المعاملة الكريمة من أمير المؤمنين علي «رضي الله عنه» نراه قد اتبع ما أوصاه به نبي الأمة «صلى الله عليه وسلم» عندما قال له: «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر، قال: أنا يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: أنا؟ قال: نعم، قلت: فأنا أشقاهم يا رسول الله، قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها»..
يا حبيبي يا رسول الله.. والله أبكيك بدمع العين.. أعزي نفسي وأعزي أمة الإسلام.. لقاء ما حدث لزوجك المصون.. سواء من أخطأوا في حقها ولا يزالون… وكذا من يخطئون في حقها.. وهم لا يغيرون ولا يردون غيبتها الشريفة.. احترامًا لها ووفاءً عظيمًا.. وامتنانًا جميلًا.. لشخصك الكريم الشريف..
يا حبيبي يا رسول الله.. لا أدري لماذا الإصرار على هذه الروايات التي توغر الصدور.. لا أعلم لماذا هذا الإصرار.. إذ أنهم يعرضون عندنا جميعًا أهل السنة.. بأم المؤمنين الطاهرة المصون السيدة عائشة.. وبأغلى الناس أغلى صحبة وصحابة رسول الله… الإمام علي أبو الحسنين.. درة الأمة الإسلامية.. والعين الساهرة لعقيدتنا الإيمانية.. والقلب النابض لشريعتنا الإسلامية.. واللسان الصادق المعبر عن المشاعر الإنسانية وصدق البشرية.. فهما رسول المحبة والوصال بيننا وبين خير البرية.. أصحاب الفضل العظيم على أهل الفضل العظيم على أهل المحروسة..
الحسين.. الحبيب الحسين.. مولانا الغالي.. سيدنا الإمام الحسين.. قرة أعيننا.. فرحة عمرنا.. جمال صبرنا الذي يتجسد فيه حين ذكره ونحن نتعارك الدنيا.. نثابر ونصابر على ابتلاءاتها.. نتنسم عبير قلبه الشريف.. ولسانه العفيف.. نحيا ونقوى لمواصلة الحياة.. التي دونهم جميعًا آل البيت كما لو كانت قبرًا ضيقًا مظلمًا حزينًا كئيبًا… لا نشعر بالراحة والأمان.. قلوبنا لا تشعر بالفرحة.. وتتحسس السلام إلا أمام ضريحه ونحن نتعظ ونعتبر من الدنيا… فيخترق قلوبنا.. كأنه صوت المصطفى.. عند الحسين نستشعره حينئذ بيننا.. وهو يقول بصوته الشريف حتى لا تأسوا على ما فاتكم.. ولا تفرحوا بما هو آت!!!…
صاحب الفضل الكبير الذي لا يخذل أي زائر أو مستجير.. حين يقصده.. يدعو ربه من عنده.. فلا يرده المولى عز وجل صفر اليدين.. والله وبكل تأكيد يكرمه لأجل زيارة الحبيب ابن الحبيب.. حفيد الحبيب الكبير.. قطب الأقطاب العظيم.. الحسين بن علي.. ابن بنت النبي.. صحبة الأنس في القبر.. وحلم رفقة يوم الحشر.. ومنية النفس في جنة الخلد..
ماذا أقول؟؟!!… لله الأمر من قبل ومن بعد!!..
لن نكره عائشة!!.. ولن نكره علي!!.. نحن أهل السنة!!.. ويكفينا أنه يشهد علينا الله.. وأرواحهم الطاهرة.. أننا ندافع عنهم وإلى يوم نلقاهم!!..
أكتب وأعلن من جميع المراجع التي بحثت فيها على وجه العموم.. وعن كل الأئمة والمؤرخين أن الجميع ممن اشتركوا في معركة الجمل من الجانبين قد ندموا ندمًا شديدًا على ما دخلوا فيه من القتال.. ندم طلحة والزبير وعلي وغيرهم.. هذا ما أكده الجميع يوم الجمل لم يكن فيه نية مدبرة للقتال.. وإنما وقع الاقتتال بغير اختيارهم.. فقلد جاء في كتاب الفتن لنعيم ابن حماد مجموعة من الروايات تؤكد ذلك..
١- فأمير المؤمنين علي ورد عنه عندما نظر وقد أخذت السيوف مأخذها من الرجال… أنه قال: لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة…
٢- وروى نعيم بن حماد، بسنده إلى الحسن بن علي، أنه قال لسليمان بن صرد: لقد رأيت عليًا حين اشتد القتال وهو يلوذ بي… ويقول: يا حسن… لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة…
٣- وعن الحسن بن علي قال: أراد أمير المؤمنين علي أمرًا… فتتابعت الأمور، فلم يجد منزعًا…
٤- وعن سليمان بن صرد، عن الحسن بن علي أنه سمع عليًا يقول حين نظر إلى السيوف قد أخذت القوم: يا حسن… أكل هذا فينا؟ ليتني مت قبل هذا بعشرين أو أربعين سنة….
وكما جاء في كتاب «سير أعلام النبلاء».. أن السيدة عائشة ورد عنها أنها كانت تقول حين تذكر الجمل: «وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي، وكان أحب إلي أن أكون ولدت من رسول الله بضعة عشر كلهم مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هشام.. وعبدالله بن الزبير»..
وكذلك ورد في كتاب التمهيد للباقلاني.. أنها «رضي الله عنها» قالت: «وددت أن لو كان لي عشرون ولدًا من رسول الله وكلهم مثل عبدالرحمن بن الحارث بن هشام.. وأني ثكلتهم.. ولم يكن ما كان مني يوم الجمل»..
وليس أدل على ذلك أنهم كانوا يستفظعون ما حدث من فتنة «الجمل».. لذلك ندم طلحة وأصابته حيرة قتيلة.. فكان يكثر التفكير.. ويكثر أن يقول: «اللهم خذ مني لعثمان حتى يرضى»..
وكان الزبير أكثر ندمًا.. فيقول: «مغلوب مطلوب.. يغلبني ابني ويطلبنب ذنبي»… حتى لقد هم بترك القتال من أوله لولا تعبير ابنه عبدالله وتعبير عائشة.. ثم ترك القتال واعتزل..
أما علي فقد عرفت حسرته لما رأى القتلى وعظم الخسارة بهم..
أما السيدة عائشة فقد قلبت صفحات التائبين والنادمين.. فما رأيت حسرة أشد من حسرتها ولا توبة أصدق ولا أخلص من توبتها… ولا ندمًا أعظم إيلامًا من ندمها.. لقد قتلها الندم قتلًا.. فما أكثر ما تمنت إن لم تكن خلقت… وما أكثر ما تمنت أن تكون حجرًا أو مدرة وكانت تكثر أن تقول: «لأن أكون قعدت فِي منزلي عَنْ مسيري إلى البصرة أحب إلي من أن يكون لي من رسول الله عشرة من الولد كلهم مثل عَبْدالرَّحْمَن بْن الحارث بْن هشام».
هذه هي الطاهرة أم المؤمنين عائشة.. التي كانت راية وهامة وعلامة وبصمة بارزة في تاريخ أمتنا.. التي تؤكد على ما للمرأة في الإسلام من منزلة.. وتدلل على دورها في كافة الميادين العلمية والدينية وحتى السياسية.. حتى في الوقت الذي ينبغي أن تستدعى تلك المرأة الجليلة لتكون قدوة لبناتنا في زماننا في الاعتداد بالنفس.. والحرص على العلم.. والمشاركة المجتمعية في كافة ميادين الحياة.. ينال منها على هذا النحو.. وتسب ليل نهار..
أليست جناية في حق الإنسانية أن يشوه نموذج على هذا النحو؟؟؟!!!..
أليست جناية في حق الإنسانية أن تقطع الصلة بينه وبين ماضيه؟؟!!..
أليست جناية في حق الإنسانية أن ينال من امرأة بهذا الحجم والقدر والمكان والمكانة؟؟!!…
أليست جناية في حق الإنسانية أن تتهم امرأة في غير تهمة وأن تعاب بما هي منه براء؟؟!!..
أليست جناية في حق الإنسانية أن تمس امرأة نزل فيها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة؟؟!!!!…
ومن قبل ذلك كله.. أليست جناية في حق ديننا الحنيف أن ينال ممن حملت ربع هذا الدين؟؟!!..
أليست جناية في حق الدين الذي شرحته وفسرته وبينته وأوضحته السيدة الطاهرة بعد وفاته «صلى الله عليه وسلم»؟؟!!..
أليست جناية في حق الدين أن تتهم السيدة عائشة بذلك.. وهي من نقلت السنة النبوية بروايتها لما يزيد عن ألفي حديث؟؟!!…
أليست جناية في حق الإسلام أن أهم رموزه من النساء أن يتم اتهامها ورميها والتشهير بها بهذا الحد وبتلك الصورة الفجة؟؟!!.. ألم يكن ذلك نيلًا من المرأة المسلمة إذن؟؟!!.. لأن النيل من السيدة عائشة يكسر هيبة أي امرأة بالتجرؤ عليها للنيل منها بلا حدود ودون أي رادع ودون أي رهبة!!!!… ماذا بعد زوج رسول الله!!!… أي رجل يمكن أن تحفظ هيبة زوجته من بعد رسول الله؟؟!!…
أليست جناية في حق رسولنا الحبيب المصطفى أن ينال هؤلاء الشرذمة من زوجته ومن حبيبته ومن الأقرب إلى قلبه الشريف؟؟!!..
أليست جناية في حق رسولنا الرءوف الرحيم أن ينال هؤلاء الروافض من عائشتنا وأمنا أم المؤمنين «رضي الله عنها» أشد هذا النيل والتنكيل؟؟!!..
أليست جناية في حق رسولنا الكريم العظيم أن ينال هؤلاء الزنادقة من عائش رسول الله كما لقبها وكان يداعبها بذلك؟؟!!..
والله إنها لجناية ما بعدها جناية في حق كل شيء!!.. في حق الدين!!.. في حق الإسلام ورسوله!!!.. في حق الإنسانية!!!…
وإذا كنا قد تعرضنا في هذه السطور المعدودات عن السيدة عائشة «رضي الله عنها».. حديث لن ينتهي ما دامت الروح في الجسد..
ولكن عزائي أنني سوف أهدأ قليلًا بمناولة الحديث عن التقوى يا أمة الإسلام!!… ونحن نعيش سطورًا وصفحات مع إمام العادلين وولي المتقين.. عن الإمام علي «كرم الله وجه» ودوره الريادي وقيادته الفذة وحكمته البالغة وبلاغته وفصاحته المعلومة للجميع وشجاعته النادرة وبيان وجه الحق فيما نسب إليه من شبه واتهامات وخاصة في المواقف الكالحة.. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *