بعد نجاح القوات العراقية في استعادة تكريت د/ عبد الستار الجميلي الامين العام للحزب الطليعي الاشتراكي الناصري في العراق يتحدث لبوابة العرب اليوم

نجاح القوات العراقية في استعادة بقية المناطق في العراق يتوقف على مجموعة عوامل سياسية وعسكرية وفنية ومؤسساتية وعوامل داخلية وخارجية مكنت داعش من احتلال مناطق واسعة في العراق .
الضربات الامريكية لداعش ضربات ناعمة محسوبة غير نوعية والجيش العراقي يعتمد على اسلحة مصرية في حربه ضد داعش .
هناك اوجه شبه بين عبد الناصر والسيسي وان كان هناك اختلاف في الظروف المحلية والافليمية والدولية .
شهدت الايام الماضية تطورات هامة في العراق بعد نجاح القوات العراقية المدعومة بقوات الحشد الشعبي في استعادة تكريت احد المعاقل الرئيسية لتنظيم داعش في الوقت الذي انتقدت فيه بعض الجهات قيام الحشد الشعبي بارتكاب عملية تطهير عرقي في المناطق السنية وهو ما نفته الحكومة العراقية وفي ظل تلك التطورات ادلى د/ عبد الستار الجميلي الامين العام للحزب الطليعي الاشتراكي الناصري في العراق بحوار خاص تناول فيه وجهة نظره ايذاء التطورات الراهنة :-
س1/ في ضوء نجاح القوات العراقية وميليشيات الحشد الشعبي في استعادة تكريت ما هي قدرة تلك القوات على استعادة المناطق الباقية وخاصة منطقة الموصل؟
ج1/ الواقع أن قدرة الجيش العراقي على تحرير محافظة نينوى وباقي المناطق العراقية من تنظيم داعش الإرهابي متوقف على مجموعة عوامل سياسية وعسكرية وفنية ومؤسساتية، وعوامل داخلية وخارجية، مهدت جميعها الأرضية لقيام داعش باحتلال أجزاء واسعة من الأرض العراقية وبزمن قياسي أثار تساؤلات وشكوك مشروعة حول الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية التي تقف خلف داعش سواء بالدعم المباشر او التعاون أو التعامل الاستراتيجي أو التكتيكي والأهداف من هذا الاحتلال ، وخاصة الإدارة الأمريكية التي كثيرا ما تحدثت عن معركة طويلة مع داعش تستمر لثلاث سنوات وكذلك حكومة اردوغان وبعض الأطراف المحلية التي لم يحن الوقت بعد للحديث عنها.. وبالتالي فان تحرير محافظة نينوى وباقي المناطق يحتاج أولا إلى دعم قوي للجيش العراقي من ناحية العدة والعدد وتفعيل حقه الوطني والمؤسسي الحصري في الانتشار على كامل الأرض العراقية وحصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح للذين ساهموا بشكل مباشر في احتلال المحافظة من السياسيين الوصوليين والانتهازيين بإعادة تسويق أنفسهم من جديد عبر الزعم بتشكيل ميليشيات ومجموعات شكلية ، إلى جانب ذلك يجب خلق بيئة شعبية وطنية عراقية رافضة للاستقطاب الطائفي ودعاته ومروجيه على طرفي المشهد الطائفي المقيت، لأن داعش وحلفائها اشتغلوا ويشتغلون على الخطاب الطائفي المقيت في تبرير احتلالهم وجرائمهم الوحشية التي ارتكبوها ضد المواطنين العراقيين والرموز الحضارية والدينية والمجتمعية ومؤسسات الدولة وفكرة الوطن والمواطنة نفسها ، وقبل ذلك كله الاعتماد على النفس وعلى الجيش العراقي وعلى الوحدة الوطنية العراقية في تحقيق هدف تحرير كامل الأرض العراقية ، وعدم منح الثقة للأطراف الدولية والإقليمية خصوصا أمريكا وإيران وتركيا ، وهي الأطراف الوحيدة إلى جانب الكيان الصهيوني المستفيدة بشكل مباشر من احتلال داعش الإرهابي للأرض العراقية ونشر لوثة الطائفية وتدمير البنى التحتية والمؤسساتية والحضارية والدينية للدولة والمجتمع العراقي .. لذلك فان عملية التحرير كما يريدها المواطن العراقي ليس تحرير المدن والمباني والشوارع والمؤسسات ولكن قبل كل شيء تحرير البيئة الوطنية من الخطاب الطائفي ومحاصصته وبيئته وحاضنته ودعاته وترسيخ مبادئ وقواعد المواطنة والهوية الوطنية والعربية، وإلا فان القضية ستأخذ تجليات أخرى بما فيها التقسيم تحت عناوين بائسة باسم الفيدرالية والأقاليم والحرس الوطني والجماعات المسلحة التي تسترت خلف غطاء الحشد الشعبي. وهو ما تعمل له أمريكا وتركيا وإيران مجتمعين ليل نهار.
س2/ وما مدى تأثير الضربات الجوية للطائرات الأمريكية على القدرات العسكرية لداعش؟
ج2/ الحقيقة التي ينبغي أن يعرفها الجميع أن ما يسمّى بالتحالف الدولي هو أكذوبة أمريكية حاولت من خلالها الإدارة الأمريكية التستر على تشكيلها ودعمها لداعش وبالتالي دفعها أولا لاحتلال الأراضي العربية السورية ومن ثمّ احتلال أجزاء واسعة من الأراضي العراقية تحت عناوين إسلامية وطائفية زائفة، وهو ما ظهر جليا في الموقف الغامض لأوباما في أول خطاب له بعد احتلال الموصل وخطاباته اللاحقة التي اقترنت بشروط تعجيزية .. وبالتالي فان ما تتناقله وسائل الإعلام عن ضربات جوية للتحالف الدولي المزعوم هو ضربات ناعمة محسوبة غير نوعية ، وهي أشبه بالنزهة ، والتي دفع ثمنها أحد الطيارين العرب الأبطال وهو الشهيد الطيار الأردني الكساسبة الذي أسقط طائرته الطيران الأمريكي حين تجاوز ضربات النزهة وأوقع خسائر فادحة في صفوف داعش ، حين ذاك كان القرار الأمريكي إسقاط  طائرته وتسليمه مباشرة لداعش حيث استشهد بطريق وحشية تذكر بالعصر الحجري الذي أعادت إنتاجه الإدارة الأمريكية وفلسفتها في تعذيب واغتصاب وحرق وقتل البشر بالتعاون مع حلفائها ..إنّ حالنا كعراقيين وعرب في مواجهة التحالف الدولي المزعوم ينطبق عليه المثل العربي ” كمن يستجير من الرمضاء بالنار” . واحب هنا ان انوه الى ان نجاح القوات العراقية في استعادة تكريت كان احد اسبابه الاسلحة المصرية التي قامت مصر بتزويد الجيش العراقي بها مؤخرا .
س3/ وما هي حقيقة تحالف قوات النظام العراقي السابق مع داعش؟
ج3/ أولا لا يوجد ما يسمّى بقوات النظام العراقي السابق، فقد قام مندوب الاحتلال الأمريكي بريمر بارتكاب جريمة حلّ الجيش العراقي وإعادة هيكلته من جديد، ولكن توجد مفردات تعاونت مع داعش وغيرها من الجماعات بعد الموقف التعسفي الخاطئ من قيادات وضباط الجيش العراقي السابق الذي حرم الجيش من خبراتهم المهنية المتراكمة، وهو فعل مقصود، وفي نفس الوقت حرم الكثير منهم وذويهم حتى من الراتب التقاعدي ، وبالتالي ضاقت الخيارات أمام بعضهم فوقع بطريقة أو أخرى في أيدي هذه الجماعات بما يتعارض حتى مع عقيدتهم الوطنية العسكرية التي تربوا عليها منذ تأسيس الجيش العراقي ،أو أن بعضهم بايعوا مشروع داعش وقطعوا أيّ صلة لهم بالماضي … لكنّ الذي حصل أن بعض أطراف النظام السابق كانت قراءتهم خاطئة لحقيقة داعش وأهدافها بحكم خطابهم الذي ظلّ أسير الماضي ولم يتطور وفق المعطيات والمتغيرات الجديدة وموازين القوى الإقليمية والدولية، وبالتالي ارتكبوا خطأ استراتيجيا قاتلا عبر التورط معها بناء على آمال غير واقعية باستعادة السلطة عبر داعش.. لكن داعش بحكم مشروعها الإرهابي الخاص سرعان ما ضربتهم ضربات قاصمة عبر القتل أو السجن أو الطرد واللجوء إلى دول الجوار ، معتبرتهم كغيرهم مجرد أدوات ووسائل لتحقيق أهدافها.
س4/ وما هو تفسيركم لانضمام آلاف الشباب من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية لتنظيم داعش على الرغم من المذابح التي ارتكبها هذا النظام؟
ج4/ أولا ينبغي أن لا نعمم كلمة الشباب من خلال الحديث عن  ((آلاف الشباب)) ، فالتحليل المنهجي الاجتماعي  والنفسي والتاريخي والإحصائي ، يؤكد أنّ فكر التطرف والتعصب حاضنته الرئيسة هي البيئات الشعبية التي تعاني من الأمية والتخلف والفقر والتهميش والإقصاء، وبالتالي فان أغلب الذين انضموا إلى داعش من جيل الشباب هم ممن لم يحصلوا على التعليم أو في أدنى مستوياته أو ممن يعانون من مشكلات بيولوجية ونفسية واجتماعية ومن المهمشين ومن بيئات تعاني من ظواهر الأمية بكل أنواعها التعليمية والثقافية والفقر والتخلف وانعدام الفرص وممن هاجروا إلى الدول الأجنبية ولم يحصلوا على فرص عمل لترتيب أوضاعهم العائلية والمستقبلة .. هذا إلى جانب عوامل أخرى سياسية واجتماعية واقتصادية داخلية، وأخرى إقليمية ودولية. وكان أخطر الأسباب هو نشر ثنائية الاستقطاب الطائفي الوهمية المقيتة التي كانت إيران وتركيا خصوصا وراء الترويج لهما تحت أوهام إعادة إنتاج إمبراطوريتهما البائدتين بالتعاون مع أمريكا والغرب والكيان الصهيوني والشعوبية المحلية، بهدف ضرب العرب والعروبة وبالتالي تفتيت الوطن العربي إلى طوائف وملل ونحل ومن ثم ترتيب خريطة الشرق الأوسط وفق المصالح المشتركة والمتبادلة بين هذه الأطراف.. ومن بين الأسباب الرئيسة الأخرى هو تراجع المشروع القومي العربي بعد رحيل جمال عبد الناصر وبالتالي غياب القضايا الكبيرة ما أوقع أجيال من الشباب العربي في قبضة الخطاب السياسي المتدين ظاهرا، الذي استغل الفرصة وحاول بكل الوسائل بما فيه أموال أمريكا والغرب لملئ الفراغ وتوجيه الشباب والمجتمع اتجاهات مدمرة لفكرة الدولة والوطن والأمة وتغيير وتسفيه منظومات القيم المجتمعية والوطنية والدينية  والحضارية والإنسانية، التي وصلت إلى حدّ التكفير والقتل والحرق  والهدم والاستقواء بالاحتلال الأجنبي واستجلاب الاحتلال الأجنبي، هذا إلى جانب العالم الافتراضي المفتوح بتأثيراته المتسارعة على عقول الشباب وحاجاتهم وأحلامهم وأوهامهم ..لذلك رأينا ظاهرة التوحش والتفنن في تعذيب وقتل وحرق البشر عند داعش حيث استقطبت في صفوفها الكثير من المجرمين والقتلة الذين استحلوا الدماء والأعراض والأموال .. لذلك فان تحليل ظاهرة التوحش عند داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية ينبغي أن تضع في اعتبارها إلى جانب التحليل الاجتماعي والسياسي والنفسي منهج تحليل شخصية وسلوك المجرم في علم الإجرام، فسلوك عناصر داعش في القتل والحرق والاغتصاب وهدم كل شيء ، يؤكد أننا لسنا أمام أشخاص طبيعيين وإنما أما مرضى نفسيين ومجرمين قبل كلّ شيء، ما يعني تعدد وسائل مكافحة هذا الوباء ليس بالإجراءات العسكرية وحدها وإنما ينبغي أن يكون هناك فعل ثقافي وحضاري وديني وعلاجي متكامل لنشر حقيقة الإسلام وصحيحه في مواجهة اغتصاب الدين ومحاولة احتكار الحقائق الدينية والإلهية معا تحت فتاوى وقدسية زائفة لحاكمية الإرهاب والطائفية والعنف المتوحش واستجلاب الاحتلال الأجنبي. 
س5/ وما عي حقيقة المذابح التي ارتكبتها قوات الحشد الشيعي المدعومة من إيران ضد أبناء المناطق السنية؟
ج5/ هذا الموضوع جرى التلاعب به من قبل أطراف لها مصلحة في ترسيخ الاستقطاب الطائفي على طرفي المشهد الطائفي، لذلك فان الأمر يحتاج إلى تفكيك مسئول، يحلله موضوعيا ويبعده عن ثنائية الطائفية المقيتة، فالموضوع له معطيات عدّة، أولها : أن هناك تجاوزات وانتهاكات وجرائم من قبل بعض الأطراف أثناء عمليات التحرير وهذه ه حقيقة لا يمكن إنكارها، وهو ما اعترف به الجميع بما فيهم الحكومة ومرجعية النجف الدينية، وهي جرائم ندينها ونطالب بالكشف عنها ومعاقبة مرتكبيها وفق القانون ، وثانيا:أن هذه الجرائم في غالبيتها فردية ولم ترتكب بدوافع طائفية في جلّها، وثالثا: أن كثير من هذه الجرائم قد ارتكبت من قبل داعش قبل التحرير وتم إلصاقها ببعض الأطراف من قبل داعش نفسه كجزء من تكتيكات الحروب النفسية والإعلامية، ورابعا : أنّ هناك أطراف حتى من داعش استغلت الحشد الشعبي للانضواء تحته وارتكاب هذه الجرائم ومن بينها السرقة من قبل ضعاف النفوس للانحراف بهدف التحرير والتأثير على سير المعارك وهو ما ظهر جليا في تعثر عمليات الأنبار ومصفى بيجي ، وخامسا: أن هناك أطراف مرتبطة بكل من أمريكا وإيران وتركيا خصوصا من دعاة الطائفية والأقاليم والفضائيات الناطقة باسمهم، حاولت بكل الوسائل إما عبر التخفي تحت الحشد الشعبي أو تضخيم الموضوع  حاولت ترسيخ وهم الثنائية الطائفية لتمهيد الأرضية لمشروع التقسيم الذي أعاد طرحه بايدن عرّاب التقسيم قبل أيام.. وبالتالي فان الأخوة العرب عليهم مسؤولية تقصي الوقائع والحقائق وأن لا تنطلي عليهم لعبة أمريكا وتركيا وإيران ومعتمديهم في تصوير ما يجري في العراق على أنّه صراع طائفي من أجل تمزيق النسيج الوطني والقومي والمجتمعي في الوطن العربي ما يسهل على هذه القوى تنفيذ مشروع التفتيت.. فما يجري في العراق هو صراع على عروبة العراق كهوية وطنية وقومية وحضارية وثقافية في بلد عربي تصل نسبة العرب فيه بكل طوائفهم ودياناتهم إلى 87%، وبالتالي فان الطريقة الوحيدة لإضعاف العرب ومن ثمّ تمرير التقسيم هو تقسيمهم إلى ثنائية طائفية مزعومة لا تمت للعروبة والإسلام بصلة، ولكنها مشروع إيراني تركي تاريخي تلقفته أمريكا والصهيونية حديثا لتشتغل عليه ليصبح أحد أهم مفردات مشروع الفوضى والتفتيت.. هذه الحقيقة تحتاج من الأخوة العرب أن تصل إليهم مباشرة لا عبر معتمدي تركيا وإيران وأمريكا. 
س6/ وهل ستؤثر تلك الانتهاكات على دعم الأهالي لتلك القوات في بقية المناطق التي لا تزال يحتفظ بها الحشد الشعبي؟
ج6/ بالتأكيد أثّرت هذه الانتهاكات والمبالغة فيها على سير المعارك في الأنبار ومصفى بيجي، ولكن تأثيرها مؤقت سيزول على المدى المنظور، فقد بدأت الحقائق تتكشف وبدأت الحكومة تتجه نحو إجراء تحقيق رسمي بهذه الجرائم، لذلك فان الإسراع في كشف حقائق هذه الجرائم ومرتكبيها وإعلانها للرأي العام ستسهل من عمليات التحرير الجارية، خصوصا إذا تحملت الحكومة المسؤولية الوطنية والقومية والأخلاقية في كشف الدور الأمريكي والإيراني والتركي فيها عبر معتمديهم داخل العراق ..إذا سارت الأمور بهذه الطريقة فان الجيش العراقي سيحرر محافظة نينوى وجميع المناطق الأخرى بزمن قياسي يفاجئ الجميع مدعوما بتأييد ودعم شعبي غير مسبوق، فبقاء داعش حتى وإن أخرجت من بعض المناطق مرهون بالدعم المعلن والمضمر من هذه الأطراف وفق أجندة حددتها أمريكا بثلاث سنوات أو أكثر حسب حاجة هذه الأطراف.. والجيش العراقي بدعم شعبي وطني رافض للطائفية ودعاتها قادر على إفساد مشروع الثلاث سنوات الأمريكي.
س7/ وما هي حقيقة تورط إيران في المعارك الدائرة الآن؟
ج7/ الأصح هو التدخل وليس التورط  الإيراني في العراق ، فالتورط فعل غير إرادي مفروض بعوامل قد لا يكون للمتورط دخل فيها، أمّا التدخل فهو فعل إرادي ينبع من مصالح وأهداف الطرف المتدخل، وقد تدخلت إيران إراديا في العراق بعد الاحتلال الأمريكي مباشرة والتي ساعدت في تنفيذه على الأرض ، مستغلة انهيار الدولة ومؤسساتها خصوصا حلّ الجيش العراقي والمؤسسات الأمنية الأخرى ، ما أحدث فراغا تمددت فيه إيران وغيرها من الدول إلى جانب الاحتلال الأمريكي وحلفائه.. لكنّ إيران ليست الطرف الوحيد الذي تدخل في العراق فتركيا هي الأخرى تدخلت بكل طاقتها ومعتمديها وطالبت علنا بوجوب إعادة ترسيم الحدود الدولية مع العراق زاعمة بأنّ حدودها الدولية تمتد إلى نهاية خط أنبوب نفط الموصل كركوك أي إلى بيجي الذي تدور فيه المعارك الآن، والخطورة في أن كلّا من إيران وتركيا لديهما مطامع معلنة في العراق أرضا وشعبا وليس مصالح يمكن الحوار حولها وبالتالي تبادلها مع مصالح أخرى.. وقد جرى الحديث عن التدخل الإيراني بكثافة وهو حق، فيما تم التغافل أو السكوت عن التدخل التركي واسع النطاق والخطورة الذي لا يختلف عن التدخل الإيراني لا في الدرجة  ولا في النوع.. إلاّ أن تطورات الموقف بعد احتلال داعش أتاحت الفرصة لإيران من جديد لتوسيع نطاق التدخل تحت عنوان حماية بغداد والأماكن المقدسة ومواجهة داعش وصلت إلى حدّ الظهور العلني لقاسم سليماني في آمرلي وصلاح الدين بطريقة كان يراد منها استفزاز مشاعر الشعب العراقي وتوجيه رسالة مباشرة إلى العرب في العراق وعموم الوطن العربي، لذلك كان ردّ الفعل مباشر حتى من جانب بعض الجهات الرسمية العراقية وإن كان على استحياء، حيث وجدت إيران في هذا التدخل فرصتها الأهم التي حاولت إضفاء الشرعية عليه عبر مزاعم مساعدة العراق بالمستشارين في مواجهة داعش، لكن النوايا الحقيقية سرعان ما تكشفت من خلال السكوت الأمريكي عليه وعبر تصريحات احد القيادات الرسمية الذي أشار صراحة إلى أنّ إيران تحولت إلى إمبراطورية عاصمتها بغداد، لذلك فان التدخل الإيراني مثله مثل التدخل الأمريكي والتركي يمثل خطر حال مباشر على وحدة وعروبة العراق ومصيره ، الأمر الذي يحتم رفض هذا التدخل والتصدي له بكل الوسائل.
س8/ في ضوء الفترة التي قضاها العبادي في السلطة هل ترى أنه تلافى أخطاء رئيس الوزراء السابق المالكي وخاصة فيما يتعلق بموضوع الطائفية؟
ج8/ هذا السؤال ينطلق من توصيف غير دقيق للوضع السياسي في العراق حيث يجري الحديث عن شخصنة هذا الوضع وربط النتائج السلبية بالأشخاص ، فالعملية السياسية برمتها هي من صنع الاحتلال الأمريكي بما فيه الطائفية والدستور، وهذه البيئة السياسية التي صنعها الاحتلال هي التي أفرزت الاستقطاب الطائفي وتمزق النسيج الوطني والاجتماعي والفساد وشلل الإدارة والخدمات وتراجع مفهوم المواطنة وفكرة الدولة وهيبتها وتعميم الميليشيات والسلاح وفتح الحدود أمام الاختراقات الإقليمية والدولية وتراجع مستويات التعليم والصحة ، وغيرها الكثير من المعطيات والنتائج المأساوية التي أفرزها الاحتلال الأمريكي بشكل متعمد ومقصود، أمّا محاولة إلصاق هذا النتائج بالأشخاص فهي محاولة لتبرئة الاحتلال من جانب ، والتصفيات السياسية بين المجموعات التي قبضت على بعض مفاصل السلطة وأبواب الثروة الوطنية من جانب آخر،وإذا كانت هناك أخطاء للحكومة السابقة وهي مشخّصة فجميع الكتل السياسية تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الأخطاء وليس شخصا واحدا كما تحاول  أن تنأى هذه الكتل بنفسها عن هذه الأخطاء والبحث عن براءة كاذبة ، لذلك نعتقد أنّ السيد العبادي لن يستطيع أن يحقق أيّ خرق في معادلة الاحتلال المرسومة بدقة إلاّ إذا كان هناك تغيير جذري في البيئة السياسية التي أنتجها الاحتلال ، وربما ظروفه أصعب من سابقيه فهو محاصر من قبل الكتل السياسية التي ساعدته في الوصول إلى هذا المنصب، وفرضت عليه ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية بما يتعارض مع الدستور ووزراء غير مقتنع بهم حسب تصريحه ، فضلا عن قواعد واتفاقيات تتعلق بالنفط وما يسمى بالتوازن ، فيما كان سلفه السيد المالكي أكثر تحررا من ضغوط هذه الكتل ومطالبها وشروطها الخاصة.. فالحكومة الحالية للأسف لا تحمل مقومات الحكومة الواحدة والبرنامج الموحد، لأنها تمثل جزرا منعزلة  للكتل السياسية ، كل فريق وزاري فيها يعمل لمصلحة كتلته دون أن يكون هناك سقف أعلى يوحد الجميع، الأمر الذي يضاعف الصعوبات أمام السيد العبادي في تحقيق المهمات الثقيلة التي عليه أن يواجهها بحسم أمام هذه الكتل السياسية أولا قبل أيّ مهمة أخرى عبر تحرير نفسه والحكومة من ضغوط ومصالح وأجندات هذه الكتل التي اختصرت الوطن واستعبدت المواطن بقوائمها، وإلاّ سيكون الحصاد مأساويا حتى على تاريخه الشخصي.
س9/بعد نجاح إيران في بسط نفوذها على دول عدة كيف ترى أبعاد الدور الإيراني في المرحلة المقبلة؟
ج9/ إيران لديها مشروع إمبراطوري استعماري معلن تعمل عليه منذ القدم وان تغيرت الأنظمة سواء كان على رأسها الشاه أو الولي الفقيه ، كلاهما ينطلق من ثوابت في السياسة الخارجية الإيرانية  مبنية على مفردة إعادة المجد الإمبراطوري الفارسي ، ومن اجل تحقيق هذا الهدف توسلت بعدة أساليب لتحقيق هذا الهدف التي كانت تتلون حسب مقتضيات الظروف ومتغيراتها، لكنها بعد سقوط نظام الشاه اتخذت من المذهب غطاء لتصدير مشروعها عبر مختلف الغطاءات الدينية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، بما فيه محاولة سرقة القضية الفلسطينية ومقاومتها العربية المشروعة من أصحابها الحقيقيين، وممارسة العدوان على العراق لثمان سنوات وفتح أجوائها بعد ذلك لاحتلاله ، والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية بعد ما سمي (( بالربيع العربي)) خصوصا في مصر وتونس والسعودية والبحرين والكويت ولبنان والسودان وليبيا وفلسطين واليمن والمغرب ،واستغلال الموقف العربي الخاطئ من سوريا لفرض نفسها على الحكومة السورية كمساند لها، الأمر الذي أعطى إيران فرصة للحركة والتمدد لكن لا يمكن أن يوصف بأنه وصل إلى حدّ بسط النفوذ على عدد من الدول العربية ،وأعتقد أنّه في ظل الظروف المتغيرة فانّ الدور الإيراني سينحسر حتما في الوطن العربي إذا ما ارتفعت الدول العربية إلى وعي وإدراك مصالحها المشتركة ودورها الفاعل بحكم إمكاناتها وموقعها وتاريخها في معادلات القوة والتوازن في هيكل النظام الدولي .
س10/ ما مدى تأثير التقارب الإيراني الأمريكي في موضوع الملف النووي على الدور الإيراني في المرحلة المقبلة؟
ج10/ هذا السؤال مرتبط بالسؤال الذي قبله، فنحن من حيث المبدأ كعرب مع أي اتفاق يجنب المنطقة ويلات ومآسي الحروب خصوصا ما تعلق منها بأسلحة الدمار الشامل، وهناك مصلحة عربية أكيدة في خلو الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية، لكن في نفس الوقت هناك قلق مشروع من أهداف المشروع النووي الإيراني ومخاطره المتوقعة على الأمن القومي العربي خصوصا في منطقة الخليج العربي، وبالتالي فان هناك مخاوف مشروعة من تفاصيل هذا الاتفاق النووي على ترتيبات الأوضاع الإقليمية والدولية وهيكل النظام الدولي وأنظمته الفرعية وموازين القوى فيه، خصوصا وأنّ هناك مصالح مشتركة بين إيران وأمريكا والكيان والصهيوني وتركيا في مواجهة العرب وان اختلفوا في ملفات أخرى، لذلك نعتقد أنّ الدور الإيراني فيما بعد الاتفاق سيكون مرهونا في أبعاده الصراعية أو التعاونية بمدى ونوع الاستجابة العربية لهذا التحدي .. فإيران كأي دولة في العالم لديها مصالح وقوة لحماية هذه المصالح وبالتالي فان سعيها متواصل لتعظيم هذه المصالح ومصادر القوة التي تحميها ، ومن بينها التدخل والتمدد في المناطق الرخوة أو التي تشهد فراغا ، لذلك فان الأمر مرهون بوحدة الموقف العربي والارتفاع بسقف الاستجابة إلى بلورة رؤية مشتركة للمصالح العربية والأمن القومي العربي ومصادر حمايته، وفرض موازين قوة تجبر إيران وغيرها على تغليب لغة المصالح المشتركة ومبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
س11/ وهل ترى أن تشكيل القوة العربية المشتركة يمكن أن يكون خطوة نحو اعتماد العرب على أنفسهم في حفظ امن المنطقة؟
 ج11/   هذا السؤال هو الأهم في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة التي تشهدها المنطقة العربية ، فالعلاقات الدولية المحكومة بموازين المصالح والقوة تشهد متغيرات وتحولات على مستوى متعاظم من الخطورة حيث يشهد العالم صراعات وترتيبات وخرائط معرفية وكونية من نوع جديد ، لم يعد فيها مكان للدول الصغيرة والفاشلة وللأمم التي لا تحسن تجميع واستثمار مصادر قوتها ولا تملك رؤية موحدة لمصالحها ووجودها في العالم، ومشغولة باستنزاف طاقاتها في صراعات ومحاور بينية ، وقد استهلكنا نحن العرب طاقاتنا خصوصا أجيال الشباب ومصادر الثروة بصراعات بينية لا معنى لها ولا مبرر ودمرنا عواصمنا وحواضرنا بأيدينا ، حتى باتت دولنا ومجتمعاتنا مكشوفة لكل أنواع الاختراق وأخطرها المشروع التفتيتي الذي تشتغل عليه أمريكا والكيان الصهيوني وإيران وتركيا .. وآن الأوان أن نفكر بمصالحنا كعرب ومصادر قوتنا وأمننا القومي العربي في مواجهة هذا العالم، ونأمل أن تكون دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى تشكيل القوة العربية المشتركة وبناء التحالف العربي على أساسها بداية صحوة قومية عربية وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك وإعادة الاعتبار للمشروع العروبي الذي أكدت تحديات ومخاطر المشروع التفتيتي حقيقة الوجود العربي الواحد والمخطط الذي يستهدفه كوحدة واحدة وضرورة هذا المشروع العروبي التوحيدي لفرض العرب كقطب سياسي وحضاري واستراتيجي في تفاعلات المجتمع الدولي.. لكنّا في نفس الوقت نحذّر وبشدة من إدخال تركيا اردوغان  لهذا التحالف لأنه يعني من جانب إعطاء موطئ قدم جديدة لأوهام مشروعه الاستعماري، ومن جانب آخر سيعطي لهذا التحالف الصفة الطائفية التفتيتية ، الأمر الذي سينسف فكرة القوة العربية المشتركة من أساسها ، ما يصب في مصلحة أمريكا والكيان الصهيوني وإيران وتركيا ومشروعهما التفتيتي للأمة العربية إلى طوائف وأعراق وملل ونحل ، وبالتالي يصيب الشعب العربي بخيبة أمل ونكوص بعد أن استبشر خيرا بهذه القوة والتحالف العربي الذي بدأ أولا بقطع مخالب إيران في اليمن.
س12/ في النهاية هناك من يربط بين شخصية السيسي وعبد الناصر فكيف ترى أوجه الشبه أو الاختلاف بين الرجلين؟
 ج12/  الحقيقة أن هناك أوجه شبه بين الزعيم الخالد جمال عبد الناصر والرئيس عبد الفتاح السيسي، وان كان هناك اختلاف في الظروف المحلية والإقليمية والدولية ومعاييرها وقواعدها التي أحاطت بالرجلين.. وكذلك الأمر بطريقة كل منهما بإدارة الصراعات والعلاقات المحلية والدولية ورمزية كل منهما.. فكلاهما واجه الفكر الديني المتطرف وإرهابه النمطي واصطدم معه في لحظات الثورة الأولى، وكلاهما مدرك استراتيجيا لدور مصر القيادي القومي الموضوعي وضرورة المشروع النهضوي العربي للوفاء بمتطلبات هذا الدور.. وكلاهما ينتمي إلى فكر ثورة 23 يوليو وان كان الفارق أن عبد الناصر هو مفجر الثورة ومؤسس هذا الفكر وصاحب مدرسته الذي جرى توصيفها معرفيا وسياسيا بالناصرية، فيما الرئيس السيسي ينتمي إلى هذا الفكر ويعمل في فضائه، خصوصا ما تعلق بالمنحى الاجتماعي والقومي لهذا الفكر، فكلاهما منحاز اجتماعيا للفقراء والقاعدة الشعبية العريضة ومؤمن بضرورات الوحدة العربية والأمن القومي العربي وفق رؤية إستراتيجية لمكانة ودور مصر عربيا ودور العرب في  العالم.. وكلاهما واجه تحديات إقليمية ودولية ، كان في مقدمتها الحصار الأمريكي وعدوان الكيان الصهيوني ومطامع وتدخلات إيران وتركيا.. وقبل هذا كله تحديات التنمية والتقدم وبناء دولة المواطن الحديثة، حيث تبنى كلاهما المشاريع الإستراتيجية الضخمة ذات المخرجات الايجابية الشاملة طويلة المدى، فكان السدّ العالي عند عبد الناصر، ومشروع قناة السويس الجديد عند السيسي.. لذلك وفي ضوء هذا التوصيف العام فان المطلوب من القوى الناصرية في مصر أن لا تضيع الفرصة وأن تدعم الرئيس السيسي خصوصا في بعدي العدالة الاجتماعية والوحدة العربية وأن تساهم في ترسيخ شرعية ثورة 23 يوليو بشرعية ثورتي 25 يناير و30يونيو ، بما يعيد الزخم والفاعلية للمشروع القومي الناصري كمشروع مفتوح وقيد التكوين في المستقبل ، وقبل ذلك كله أن تبلور قائمة مشتركة فيما بينها لخوض الانتخابات البرلمانية التي لو تحققت لحصلت على الأغلبية البرلمانية التي تتيح لها وللرئيس السيسي معا تحقيق برنامجي ثورتي يناير ويونيو كامتداد متطور لثورة يوليو وتضع مصر على الطريق الصحيح كقيادة قومية عربية ودولة مواطنة حديثة مبنية على إبعاد الحرية والتحرر والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السليمة والوحدة العربية.
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *