تجه
الأنظار صوب المكتبة الرقمية.. صوب مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في
الرياض، ومشروعها الحيوي “الفهرس العربي الموحد”، الذي سيجمع محبي المكتبات
والباحثين تحت سقف واحد، فهو لا يهتم فقط بإقامة الفعاليات والمؤتمرات
الخاصة، بل ينظم سيل وتدفق المعلومات ليسهل على المختصين الاستفادة منها.
وفي تحقيق خاص لصحيفة الشرق، التقت مجموعة من المفكرين والمثقفين والمختصين
في مجال المكتبات، ليقدموا رؤيتهم تجاه هذا المشروع.
التطور الرقمي
في البداية يقول رئيس جامعة الخليج العربي، الدكتور خالد العوهلي، إن
العالم اليوم يعيش وفرة هائلة في مجال المعلوماتية، وهي وفرة غير طبيعية
عززها عامل خدمة الإنترنت، وأصبح لدى الشباب فراغ كبير من خلال الكم الهائل
للمعلومات المتوافرة عبر الأقنية المتعددة. وأضاف “العوهلي”، “لم نعد نعرف
الغث من السمين والجميع يتحدث عن وفرة المعلومات، وأن يكون مصدرها من
الكتاب فبعض الناس لا يأخذ المعلومة من الإنترنت، وتعد هذه الأعمال، التي
تصل العالم بعضه ببعض، أعمال مميزة تقرب الشعوب والمواطنين والعلماء”.
مراكز المعلومات
وتابع د. خالد العوهلي قائلاً، “إن الاتجاه نحو العولمة، يحتم علينا أن
نسهم في جميع المجالات، سواءً على مستوى المكتبات أو مراكز المعلومات أو
مؤسسات البحوث، لأننا لا نريد أن نكون متلقين فقط، ولكن نريد أن نكون أيضاً
فاعلين ومؤثرين ومشكلين لتوجهات العالم بأسره، وهذا ليس خياراً ولكنه
مسؤولية سواء في المملكة، أو في مجتمع الخليج العربي أو حتى على مستوى
العالمين العربي والإسلامي، حتى نعود لاستلام الدور الذي كانت عليه الأمة
الإسلامية عندما حملت النور بأرجاء العالم وحملت العدل لمناطق العالم
المختلفة”.
بنية معلوماتية
وأضاف “العوهلي”، “لم يكن يوجد بنية تحتية معلوماتية حقيقية، وهنا جاء هدف
مشروع “الفهرس العربي الموحد” للوصول لمصاف المكتبات العالمية والتقنينات
العالمية بشكل عام منذ العام 2007م، من خلال خطواتها الكبيرة عبر بواباتها
أو ملتقياتها أو برامجها التدريبية، بمعنى أن المسألة ليست مسألة خدمة
مكتبات الدول فقط، ولكن خدمة المعرفة بشكل عام والثقافة العربية والإسلامية
بوجه خاص.
فمثلاً “بوابة الكتب المترجمة”، لا ترمز ولا تهدف إلى دولة معينة وإنما
تهدف إلى حصولنا على خطوة المعرفة وتفعيلها ونشر الوعي والحوار من خلالها.
نوافذ إيجابية
وقال رئيس جامعة الجزائر، الدكتور طاهر حجار، “نحن كدول عربية نشتكي من
قلة المصادر والمراجع في مختلف العلوم، لذا نجد أنفسنا مضطرين للجوء إلى
المكتبات أو البوابات العالمية للتحصيل العلمي أو البحث في مجالات
التكنولوجيا”.
وأضاف “حجار”، “الحقيقة أن الآليات موجودة، ولكن مع الأسف الشديد خاطئة
نوعاً ما، فعندنا مجالس وزارية ومجالس وزراء المعارف والتربية والثقافة،
وعندنا لقاءات مع رؤساء الجامعات العربية ومراكز البحث العربي، ولكن مع
وجود كل هذه الفعاليات يبقى دائماً شيء ناقص وهو تفعيل التوصيات الصادرة عن
هذه المجالس”.
إرادة سياسية
وأضاف رئيس جامعة الجزائر، “لو نفذنا نصف هذه التوصيات أو ربعها لوصلنا
إلى ما نسعى إليه وإيجاد هذه الوسائل، التي تمكن الباحثين، والطلبة
والأساتذة من التحصيل العلمي، عندنا كل الوسائل متوافرة وتحتاج إلى إرادة
سياسية من أصحاب القرار حتى يحركونا نحن للمضي في تجسيد هذه التوصيات،
ووقتها سيسد هذا العجز أو ستلبي نوعاً ما هذا الجانب.
قرية صغيرة
أما الدكتور موسى بن ناصر المفرجي، أستاذ المعلومات المساعد مدير المكتبة
الرئيسة بجامعة السلطان قابوس، فقال، “أصبح عالمنا المعاصر في ظل الثورة
المعلوماتية بمنزلة قرية صغيرة لا حدود ولا حواجز لها، وأصبحت الأمم في ظل
المتغيرات العلمية والتقنية وفي خضم الصراعات أكثر إلحاحاً للحوار
والتقارب”.
مشروع وحدوي
في حين قال أمين المكتبات بجامعة الرباط الوطني في الخرطوم، الدكتور أحمد
ميرغني محمد أحمد، “تعد هذه المشاريع مؤشراً جيداً في طريق العمل العربي
المشترك في المجال الثقافي والعلمي، الأمر الذي افتقدناه كثيراً. ولعلها
تبشر بمزيد من التواصل بين كل الدول العربية، كما أنها في الوقت نفسه تعزز
دور المملكة الريادي في مد جسور التواصل والتعاون لكل أطراف الأمتين
الإسلامية والعربية”.
طفرة تكنولوجية
ويقول مدير المكتبة الوطنية في البحرين، الدكتور منصور محمد سرحان، “تعاني
المكتبات في الوطن العربي خلال تلك الفترة من عدم وجود مشروع عربي رائد
ومتطور يسهم في تحويل المكتبات العربية من مكتبات تقليدية إلى مكتبات
رقمية، على غرار ما أحدثه “الفهرس العربي الموحد” من نقلة نوعية عالية
الجودة في مجال وظائفه”.
وأضاف، “من هنا بدأت أنظار المكتبيين العرب تتجه من جديد صوب الرياض،
وبالتحديد صوب مركز الفهرس العربي الموحد، باعتباره القادر على تحقيق
وإنجاز أكبر حلم راود المكتبات والباحثين في الوطن العربي، ويتمثل ذلك في
التحول إلى مكتبات رقمية تتماشى والطفرة التكنولوجية، التي تعيشها وتتأثر
بها الأجيال الحالية وأجيال المستقبل”.
حلم المتخصصين
من جهته، تطلع رئيس اتحاد المكتبات والمعلومات سابقاً، حسن عواد السريحي،
لمجموعة من الأمنيات التي يأمل تحقيقها، مبتدئاً برؤية ثورة علمية تجدد في
إبداعات الأبحاث والدراسات. وقال، “سيسهم ذلك في نقلنا إلى مستويات أعلى
طرحاً وبحثاً وتحليلاً ونتجاوز الوصف لدراسة الأسباب، ونقدم إبداعات نظرية
ونسبر أغوار مواضيع يخافها البعض، ونقدم مشاريع تعاونية ودراسات مع تخصصات
أخرى تقدم الجديد بدلاً من تدوير المعارف ونستشف مستقبل هذا التخصص
واتجاهاته فنرسمها من خلال هذه الدراسات”.
شراكات عالمية
وتحدث الدكتور علي النملة، أديب سعودي، عن العمل الوحدوي واستثمار التقنية
ورفع مستوى الوعي لدى الأجيال بتفعيل دور المؤسسات للنهوض بمستوى العمل،
والدخول في بناء الحراك الثقافي والمعرفي، وذكر مثالاً عن مسيرة مشروع
“الفهرس العربي الموحد”، الذي تخطى كثيراً من العقبات، التي لم تستطع بعض
المشاريع الوطنية والقومية أن تتخطاها، حيث كان هناك طموح وإصرار، بالإضافة
إلى التطلعات التي جعلت مشروع الفهرس يفرض نفسه على العالم العربي، وكذلك
على مستوى العالم، عبر دخوله بشراكات مهمة مع كثير من الجهات ذات الاختصاص.
تطور المشروع
وأشار الدكتور النملة، إلى تطور مشروع الفهرس تحت مظلة مكتبة الملك
عبدالعزيز العامة، التي يشرف عليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن
عبدالعزيز -حفظه الله- بدعم لا محدود، وهذه تعتبر سنة حسنة تحسب للمملكة،
وللعالم العربي كله الذي تجاوب مع هذا المشروع.
تجارب عالمية
وأشار مدير المكتبة الحسنية في المغرب، الدكتور أحمد شوقي بنبين، إلى
أهمية الدور، الذي ينشده الجميع من التوجه إلى مجتمع المعرفة وبناء وحدة
ثقافية كبيرة على مستوى الوطن العربي ممثلاً في مؤسساته ورجالاته.
حيث إن الفرصة أصبحت سانحة تماماً ومشجعة في ظل وجود عمل مقدم وأثبت
نجاحاته وتخطي معوقاته إلى حدٍ كبير وهو الفهرس العربي الموحد، الذي يستكمل
جهود مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، حيث تقدم دائماً ما يدعم الثـقافة
والمعرفة العربية، مستدركاً أن هذا المشـروع في حد ذاته يجسد ملحمة فكريـة
كـبرى لا بد أن يستشعرها كل عربي ومـسلم في شتى أصقاع الأرض، كونه يغـذي
مفهوم البناء الوحدوي الثقافي المعاصـر، ويحـاكي تجارب عالمية كنا ننظر
إليها باستحالة تحقيقها في عالمنا العربي والإسلامي.
|