تحويل الإقتصاد البني إلى أخضر

 
شهد العالم خلال السنوات الماضية عدم إستقرار في أسواق الطاقة والسلع الأساسية ونقص في الأغذية العالمية وندرة في المياه مما أدى إلى وجود أزمة مالية وإقتصادية كبيرة في معظم أنحاء العالم ، وتمثّل هذه التأثيرات مخاطر إقتصادية وإجتماعية وبيئية خطيرة .
ويعتبر الإقتصاد الحالي القائم في أغلب دول العالم وعلى رأسهم الدول النامية إقتصاد ملوث ومدمر للبيئة ويبالغ في إستهلاك المواد مما ينتج عنه إستهلاك الموارد الطبيعية مثل المياه والغذاء والزراعات والغابات والمعادن والبترول بطريقة مبالغ فيها جدا مما أدى إلى تغير المناخ وتدمير هذه الموارد في العالم بالاضافة إلى الأزمات العديدة المتزامنة مثل إنهيار الأسواق والأزمات المالية والإقتصادية وإرتفاع أسعار الغذاء وإرتفاع نسبة البطالة والتقلبات المناخية ، ويطلق على هذا النوع الإقتصاد البني ، لذلك جاء التفكير بالتحول في الإقتصاد من البني إلى الأخضر ، وهو إقتصاد عالمي ذو نشاط إنساني يشمل إنتاج وتبادل وإستهلاك السلع والخدمات والبيع والتوزيع ، ويجب الأخذ فيه البعد البيئي بعدم تلوث البيئة ، وهي تساهم في خفض الإنبعاثات البيئية مثل غاز ثاني أكسيد الكربون وغيرها من الإنبعاثات البيئية مع تحسين أداء النقل العام وتقليص الإجهاد المائي وتحسين الأمن الغذائي وتخفيف تدهور الأراضي والتصحر .
ويعتبر الإستثمار في الصناعة الخضراء من أهم الأولويات التي ينادي بها معظم دول العالم لما لها من أهمية قصوى على صحة الإنسان مما يعود بالنفع على إنتاجه وعلى المجتمع ككل ، وفي الآونة الأخيرة تنبه معظم دول العالم من خلال بعض المنظمات في التفكير الجاد والمضي قدما في هذا المجال ، لذلك فإن هذه السياسات يمكن العثور عليها في أساسيات ومبادئ الإقتصاد الأخضر التي من خلالها يتم تعديل مؤشرات السوق من خلال فرض الضرائب البيئية وشهادات التلوث القابلة للتداول للفصل ما بين عملية النمو الإقتصادي وتأثيرها البيئي ، وتمنع التعدي على الحريات الإنسانية من خلال تدابير القيادة لهذا النوع من الإقتصاد والسيطرة على أي من التأثيرات السلبية البيئية التي تلحق الأذى في عناصر وأنظمة البيئة والطبيعة ، ويمكن من خلال التحول إلى الإقتصاد الأخضر المساعدة في نقل العالم إلى إتجاه جديد في التنمية بما يضمن الإستدامة والإستقرار في البيئة مع الإقتصاد .
وتتمحور المبادئ الأساسية للاقتصاد الأخضر حول إعطاء وزن متساو للتنمية الإقتصادية والعدالة الإجتماعية والإستدامة البيئية ، وتلبية هذه الأهداف الثلاثة توفر أساسًا سليمًا لمعالجة نقاط الضعف في الإقتصاديات العربية وتخفيف الفقر والبطالة وتحقيق أمن غذائي وتوزيع أكثر عدالة للدخل بما يحقق إستقرارا مجتمعياً وأمنياً،  والإستخدام الكفء للأصول الطبيعية من أجل تنويع الإقتصاد الذي يمثل آلية وركيزة أساسية للإقتصاد الأخضر كما يوفر مناعة في وجه تقلبات الإقتصاد العالمي بما يحقق الإستقرار الإقتصادي الغائب عن كثير من مجتمعاتنا ، ويمكن أن تؤدي النقلة للإقتصاد الأخضر إلى تخفيض ملحوظ في إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري ، ففي المخطط التصوري الإستثماري الذي يستثمر فيه ما نسبته  2% من الناتج المحلي الإجمالي في قطاعات رئيسية من الإقتصاد الأخضر يخصص أكثر من نصف مقدار ذلك الإستثمار لزيادة كفاءة إستخدام الطاقة وتوسيع إنتاج وإستخدام موارد الطاقة المتجدة بما في ذلك الجيل الثاني من الوقود الحيوي ، والنتيجة هي تحقيق خفض بنسبة قدرها%36  في كثافة إستخدام الطاقة على الصعيد العالمي ، وتقاس بملايين الأطنان من معدل النفط في كل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030 ، وفي المخطط التصوري الإستثماري لإنبعاثات ثاني أكسيد أن  حجمها ينخفض من 30.6 جيجا طن في عام 2010 إلى 20 جيجا طن في عام 2050 ، ولذلك فإن الإستثمار في الإقتصاد المنخفض لإنبعاثات الكربون ينطوي على إمكانات كبيرة لمواجهة التحديات التي يفرزها تغير المناخ مع أن من الضروري القيام بإستثمارات إضافية وإتخاذ تدابير في إطار السياسات العامة من أجل الحد من تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى 450 جزء من المليون أو أقل من ذلك  .
ومجمل القول أنه أصبح هناك تفرقة في نظريات التنمية الإقتصادية بين التنمية التي تراعي الجوانب البيئية وتعرف بالتنمية الخضراء أو المتواصلة أو المستدامة وبين التنمية الإقتصادية البحتة التي لا تراعي البعد البيئي والتي أصبحت محل إنتقاد من كافة الأوساط والمؤسسات الإقتصادية العالمية ، لدرجة أن البعض يطلق عليها “تنمية سوداء أو تنمية بنية”، وقد أصبحت المؤسسات الإقتصادية العالمية تهتم بإعداد حسابات قومية على أساس مراعاة البعد البيئي ، وتعرف باسم “الحسابات القومية الخضراء” وهي حسابات تقوم على أساس اعتبار أن أي تحسن في ظروف البيئة وفي الموا رد الإقتصادية هي زيادة في أصول الدولة وأن أي تناقص في الموارد الإقتصادية أو إضرار بالبيئة هو زيادة في إلتزامات الدولة ونقص فى أصولها ، وبالرغم من الإهتمام العالمي والإقليمي والقومي بالبعد البيئي للتنمية إلا أنه يبقى عنصر هام جداً لتفعيل عملية الحفاظ على البيئة وضمان تواصل عملية التنمية ، وهذا العنصر هو الوعي البيئي للفرد نفسه والذي إذا توفر فإنه يكون أكثر فاعلية من سن القوانين والتشريعات ويوفر كثيرا من الجهد والمال .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *