سيدنا آدم -عليه السلام- هو أبو البشرِ جميعًا وأوَّلُ نبيٍّ من أنبياءِ الله تعالى النبيُّ آدم -عليه السلام -، خلَقه الله -سبحانه وتعالى- بيديه ليكونَ خليفةً له في الأرضِ، قال تعالى: “وإذْ قالَ ربُّك للملائكةِ إنِّي جاعلٌ في الأرضِ خَليفةً” [١]، وخلقَ له من ضلعِه زوجته حواء وأسكنهما الجنَّةَ، وقد وردّ في الحديثِ الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: “يُجمَعُ المؤمنونَ يومَ القيامةِ، فيقولونَ: لو استشفَعْنا إلى ربِّنا فيُريحُنا من مكاننا هَذا، فيأتُون آدمَ فيقولون له: أنتَ آدمُ أبو البشرِ، خلقكَ اللهُ بيده، وأسجَدَ لك الملائكةَ، وعلَّمك أسْماءَ كلِّ شيءٍ، فاشفَعْ لنا إلى ربِّنا حتى يُريحَنا، فيقول لهم: لسْتُ هَناكم، فيذكرُ لهُم خطيئَتَه التي أصَاب” [٢]، وسنذكرُ في هذا المقال قصة سيدنا آدم وكيفَ طُرِدَ من الجنَّة هو وزوجتُه وقصَّة ولدِيه قابيل وهابيل. قصة سيدنا آدم -عليه السلام- وردَ في قصة سيدنا آدم أنَّه عندمَا خلقَ الله تعالى آدم -عليه السلام- أخبرَ الملائكةَ بهذا الحدثِ العظيمِ الذي سيغيِّرُ مجريات الأحداثِ في الأرضِ، قال تعالى: “وإذْ قالَ ربُّك للملائكةِ إنِّي جاعلٌ في الأرضِ خَليفةً” [١]، وتكريمًا لهذا الكائنِ الجديدِ أَمرَ الله تعالى الملائكةَ أن يسجدوا لآدمَ سجودَ تكريمٍ وتشريفٍ وتعظيمٍ وليس سجودَ عبادة، وقد تكرَّر ذكر أمرَ السجود لآدم في سبعة مواضع في القرآن الكريم لإظهار عظيمِ التكريم لسيِّدنا آدم، ولكن إبليس امتنع عن السجود تكبُّرًا وتعاليًا، قال تعالى: “إلَّا إبليسَ أبَى واستَكبَر وكانَ منَ الكَافرينَ” [٣]، وقال تعالى: “فسجدُوا إلَّا إبليسَ لم يَكُن مِن الساجِدينَ” [٤]، وبرَّر إبليس عصيانه بقوله كما وردَ في القرآن الكريم: “أنَا خيرٌ منهُ خلقتَني من نارٍ وخلقتَه من طِين”[٥]، وقوله: “لَم أكُن لأسجدَ لبشَرٍ خلقتَه مِن صلصالٍ من حَمإٍ مَسنونٍ” [٦]. بعدَ ذلك أتى أمرُ الطرد لإبليسَ من الجنَّة نهائيًا إلى يومِ يُبعثون بسبب عصيانِه ورفضهِ لأمرِ ربِّه، قال تعالى: “قالَ فاهبِطْ منهَا فما يكونُ لكَ أنْ تتكبَّرَ فيهَا فاخرُجْ إنَّكَ منَ الصَّاغرين” [٧]، لكنَّ إبليس رفضَ حكمَ الله تعالى وتوعَّد بإغواء أبناء آدم من البشر، فردَّ عليه الله -تبارك وتعالى- بقوله: “إنَّ عبادِي ليسَ لكَ علِيهم سلطانٌ إلَّا مَن اتبعَكَ من الغَاوِين” وتلك قصة سيدنا آدم مع إبليس [٨][٩]. خلق الله لسيدنا آدم وحواء -عليهما السلام- خلقَ الله تعالى سيِّدنا آدم -عليه السلام- بيديهِ من طينٍ ثمَّ نفخَ فيه من روحِه وهذا في جميعِ الدياناتِ السماويَّة الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهوديَّة، قال تعالى في كتابه العزيز: “وإذ قالَ ربُّك للملائِكةِ إنِّي خالقٌ بشرًا من صلصالٍ مِن حَمإٍ مَسنون” [١٠]، وقال تعالى: “وبدَأَ خلقَ الإنسانِ مِن طِين”[١١]، وقال تعالى: “فَاستَفتِهِم أهُمْ أشَدُّ خَلقًا أمْ منْ خلَقْنَا إنَّا خَلَقناهُمْ منْ طينٍ لازِبٍ”[١٢]، وفي الحديث الذي رواه أبو موسى الأشعري أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: “إِنَّ اللَّه خَلقَ آدَمَ مِن قبضةٍ قَبضَها مِن جَميعِ الأرضِ، فَجاءَ بَنو آدمَ على قدرِ الأرضِ، جاءَ منهُمُ الأَحمرُ، والأَبيضُ، والأَسودُ، وبينَ ذلكَ، والسَّهل، والحزن، والخشنُ، والطّيبُ” [١٣]. ثم خلقَ حواء من ضلعهِ وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة أنَّ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ الله -جلَّ وعزَّ- لمَّا خلقَ آدمَ مسَح ظهرَه فجَرَتْ من ظهرِه كلُّ نسمةٍ هو خالقُها إلى يومِ القيامةِ، ونزعَ ضلعًا من أضلاعِه فخلَقَ منهُ حوَّى” [١٤]، وقد وردَ أنَّ طولَه -عليه السلام- كان ستينَ ذراعًا، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم-: “كانَ طُولُ آدمَ ستِّين ذراعًا؛ في سَبعِ أَذرعٍ عَرضًا”[١٥][١٦]. طرد الله لسيدنا آدم وحواء -عليهما السلام- من الجنة عندما طردَ الله تعالى إبليس من الجنَّة، توعَّد إبليس أن يُضِلَّ البشر جحودًا وعصيانًا لأوامر الله تعالى، لذلك حذَّر الله تعالى آدمَ وحواءَ من إغواءِ إبليس اللعين، قال تعالى: “فقُلنا يا آدمُ إنَّ هذَا عدوٌ لكَ ولِزوجكَ فلا يخرجنَّكمَا منَ الجنَّة فتشقَى” [١٧]. ثمَّ نهاهما عن الأكل من الشجرة كاختبارٍ لهما من الله تعالى، قال تعالى: “ولا تَقرَبا هذهِ الشجرةَ فتكونَا مِن الظَّالمين” [١٨]، والنهي عن الاقتراب من الشجرةِ مبالغةٌ في التحريم لكنَّ إبليسَ اللعين كان لهما بالمرصادِ يريدُ أن يغويَهما حتَّى يُطردَا من الجنَّةِ كما طُردَ منها، فظلَّ يوسوسُ لهما حتَّى استجابا لإغوائه وأكلا من تلكَ الشجرةِ بعد أنْ نهاهُمَا اللهُ عنها، قال تعالى: “فوَسوسَ إليهِ الشيطانُ قالَ يا آدمُ هل أدلَّكَ على شجرةِ الخلدِ ومُلكٍ لا يَبلى * فأكلَا منهَا فبدَتْ لهمَا سوآتُهما وطفِقَا يخصِفانِ عليهمَا من وَرقِ الجنَّة وعصَى آدمُ ربَّه فغوَى” [١٩]. فوجَّه الله تعالى عتابًا قاسيًا لهما على عصيانهما له تعالى ثمَّ تابَ عليهِما بعد ذلك إنَّه هو الغفورُ الرَّحيم، قال تعالى: “فتلقَّى آدمُ مِن ربِّه كلماتٍ فتابَ عليهِ إنَّه هو التَّوابُ الرحيمُ”[٢٠]. لكن في النهاية جاء الأمر الإلهيُّ بإخراج آدم وحواء من الجنَّة وهبوطهما إلى الأرض وتحقيق الوعد الإلهي باستخلافِ الإنسان على هذه الأرض، قال تعالى: “قالَ اهبطَا منهَا جميعًا بعضُكم لبعضٍ عدوٌّ فإمَّا يأتينَّكم منِّي هدىً فمَن اتَّبعَ هدايَ فلا يضِلُّ ولا يشقَى”[٢١][٩]. قابيل وهابيل بعدَ أن هبط آدمُ وحواء إلى الأرض، رزقَهما الله تعالى بولدِين هما : قابيل وهابيل، وكلٌّ منهما وُلِدَت معه بنتٌ، كان هابيلُ يهتمُّ بتربيةِ الأغنامِ وأمَّا قابيل فقد كان يفضِّل الزراعةَ، وعندما حانَ وقتُ زواجِهما قال لهمَا أبوهُما آدم: إنَّ قابيل سيتزوَّجُ أخت هابيل، وأمَّا هابيل سيتزوَّجُ أخت قابيل. لكنَّ قابيل رفض هذا الخيَار لأنَّه كان يريد الزواج من أختِه التي وُلدَت معه. فطلَبَ منهما آدم -عليه السلام- أن يُقدِّم كل واحدٍ منهما قربانًا إلى الله تعالى، ومن يُقبَلُ قربانه سيكون الأقرب إلى الله وسيَرضى بكلِّ الأوامرِ التي يأمرُه بها تعالى، فقدَّمَ هابيلُ أفضلَ خروفٍ عنده، أمَّا قابيلُ فاختارَ حزمةَ قمحٍ من أسوأ المزروعاتِ لديه، فتقبَّلَ الله ُ قربانَ هابيل ولم يتقبَّل قربانَ قابيل، عند ذلك ازدادَ حقدُ قابيلَ على هابيل، وهدَّدَه بالقتل مباشرةً لكنَّ هابيل لم يردَّ عليه بالمثلِ بل قالَ له: لن أقتلَكَ، وإذا قتلتني فستأخذُ إثمي وإثمِك وتدخلُ النار. وفي هذه اللحظة جاءَ إبليسُ وعلَّمَ قابيلَ كيف يقتلُ أخاه، فأخذَ صخرةً كبيرةً ضربَ رأسَ هابيل بها فسقط ميتًا على الأرض، ولم يعرف قابيلُ ماذا يصنعُ بعد أن ارتكبَ هذه الجريمةَ الشنيعةَ، فرآى على مسافةٍ منه غرابًا ميتًا ثمَّ جاء غرابٌ آخرُ وحفرَ حفرةً بمنقاره ثمَّ وضعَ فيها الغراب المَيت، فأدركَ عندها قابيلُ ما عليه فعله، فحفرَ قبرًا ودفنَ فيه أخاه، وخسرَ كل شيءٍ بهذه الجريمةِ، أهلَه ودنياه وآخرتَه وأصبحَ من أهل النَّار، قال تعالى: “واتْلُ علَيْهِمْ نبأَ ابنَيْ آدمَ بالحَقِّ إذْ قَرّبَا قربَانًا فتقُبِّلَ منْ أحَدهِمَا ولَمْ يتَقَبَّلْ منَ الآخَرِ قالَ لأَقتُلَنَّكَ قالَ إنَّمَا يتَقَبَّلُ اللَّهُ منَ المُتَّقينَ * لئِنْ بسَطْتَ إلَيَّ يدَكَ لتَقتُلَنِي ما أنَا ببَاسطٍ يدِيَ إلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إنِّي أخَافُ اللَّهَ ربَّ العَالمِينَ * إنِّي أرِيدُ أنْ تبُوءَ بإِثْمِي وإِثْمِكَ فتَكُونَ مِنْ أصْحَابِ النَّارِ وذَلِكَ جَزاءُ الظَّالمِينَ * فَطوَّعَتْ لهُ نَفسُهُ قتْلَ أخِيهِ فَقتلَهُ فأصْبَحَ مِن الخاسِرِينَ * فَبعثَ اللَّهُ غرَابًا يبحَثُ فِي الأرْضِ ليُرِيَهُ كيفَ يوَارِي سوءَةَ أخِيهِ قالَ يَا ويلَتَا أعجَزْتُ أَنْ أكُونَ مثْلَ هذَا الغُرَابِ فأوَارِيَ سوءَةَ أَخي فَأصْبَحَ منَ النَّادمينَ”[٢٢][٢٣]. مناسبة آية فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه نزَلَت هذه الآية في قصة سيدنا آدم وزوجته حواء عندما عصيَا الله تعالى واستجابا لإغواء إبليس، وتفسير الآية: إنَّ الشيطانَ وهو إبليسُ -لعنَهُ اللهُ- هنَا بلا خلافٍ، ظلَّ يوسوسُ لآدمَ وحواءَ ويحاولُ إغواءَهما حتَّى استجابَا لإغوائِه وعصى آدمُ ربَّه هو وزوجتُه، فأمرَهمَا الله تعالَى بالخروجِ من الجنَّة وأنزلَهمَا إلى الأرضِ، وهكذا يكون الشيطان هو سببُ إخراجِهما من النَّعيم الذي كانا فيهِ في جنَّات الخلدِ بعد أن أغواهمَا وأكلا من تلكَ الشجرةِ وأخرجهما الله تعالى من الجنَّة، قال تعالى: “فأَزلَّهمَا الشَّيطانُ عنهَا فأخرجَهُمَا ممَّا كانَا فيهِ وقلنَا اهبِطوا بعضُكُمْ لبعْضٍ عدُوٌّ ولكُمْ في الأرضِ مستقَرٌّ ومتَاعٌ إلى حينٍ” هذا مجمل قصة سيدنا آدم [٢٤][٢٥].