ليسوا سواسية

 

 

بقلم/ د. علي الدرورة

جيرانك أوصى بهم الإسلام خيراً، وقد لا يدعونك ولا تدعوهم، وقد لا تذهب إلى ديوانيتهم أو مجالسهم للسلام عليهم واحتساء القهوة، وقد لا تعجبك تصرفاتهم ولكنّك تتغاضى أو تتغافل عن تلك السيئات فتكون أفضل منهم؛ لأنك متسامح وقلبك كبير، وحيث إنك تنظر إلى أفق أرحب وليس بالمنظور الضيّق الذي يرى به الغالبية من الناس.

والكلام ينطبق على الأصدقاء، فطالما تتجاوز عن زلاتهم وتسامحهم ولا تخزّن في قلبك ملفّات ملئت بالأوراق السوداء، فأنت صاحب قلبك كبير ومتسامح دائماً ولا تولي صغائر الأمور أية أهمية أبداً، وطالما تدعوهم لتناول وجبة غداء أو عشاء مرّة واحدة أو مرتين في الشهر، بينما هم يبخلون عليك، فلا يعزمونك على وجبة واحدة في السنة، ومع هذا فإنك لا تنظر لمثل هذه الأمور؛ لأنك تعتبرها من التوافه وتظلّ على نهجك مستمرًّا في طباعك الطيّبة، لأنك هكذا جبلت وهكذا تربيت، فأنت إنسان ماجد غطريف وكريم ومعطاء ولا تريد ردّ المعروف بل لم تفكر فيه من الأساس.

وقس على ذلك أقاربك، فأنت تحتفظ بالودّ وصلة الرحم وتشفق على ضعيفهم وتوقر كبيرهم وتفرح لصغيرهم وأنت لطيف مع الجميع، فهم أقاربك من دمك ولحمك والإنسان لا يخرج من رحمه مهما حدث له.

والناس في مجتمعك من يراك ملاكاً، وهناك من يراك في مصافّ الملائكة، وبعضهم يراك شيطاناً، وبعضهم يراك زعيماً للشياطين، ومن الناس من يراك تقيًّا نزيهاً عفيفاً ماجداً كريماً سخياً لطيفاً فاضلاً من خيرة الناس وأفضلهم، وعلى العكس من ذلك، فهناك من يراك كذّاباً لصًّا منافقاً مخادعاً وربما مجرماً، والعياذ بالله.

هل تذكرون قصة الخواجة نصير الدين جحا مع ابنه حينما مرّ على جماعة وهما يقودان حماراً فقال عنهما الناس:
ما أبله هذا الرجل وابنه! يقودان الحمار ويسيران بجانبه وكان الأجدر بهما أن يركبا ويستريحا من عناء المسير.

فقال جحا لابنه: أسمعت يا بني؟ دعنا نعتلي المطي ونرتاح من السير، فركبا فمرّا على جماعة أخرى فلاموا جحا على تصرفه وبأنه لا يملك الشفقة على الحمار المسكين فلو نزل ومشى إلى جانب الحمار لخفّف الحمل عليه، فقال جحا لابنه: أسمعت يا بني؟ فنزل جحا وترك ابنه على صهوة الحمار وسارا يبتغيان طريقهما فمرّ على جماعة أخرى فقالوا لابنه: إنك ولد عاق تمتطي الحمار وتترك أباك العجوز يمشي! تبًّا لك من ابن عاق لا تحترم أباك!
فقال جحا: اسمعت يا بني؟ ماذا قال الناس؟.
فنزل الصبي من على الحمار وصعد جحا فبينما وصلا إلى جماعة أخرى لاموا جحا؛ لأنه ترك الصبي يمشي وهو ضعيف لا يتحمّل السفر سيراً على الأقدام، فقال جحا لابنه: أسمعت ما قاله الناس يا بني؟

إنّ رضاهم غاية لا تدرك، وعلى الإنسان أن يتورع من لسان الآخرين.
وهكذا هم الناس، سليطو اللسان والتفكير ضدّ الغير، فهم ذوو أفكار سوداوية ولا يتورعون بكيل التهم وكلّ ما هو سلبي وقليل منهم من يحكم لسانه وعقله!!
إذاً الناس: ليسوا سواسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *