لايمکن النظر للاضطرابات و الاوضاع القلقة و غير المستقرة في المنطقة بمعزل عن الاوضاع التي تمر بها إيران داخليا، ذلك انها وفي خطها العام عبارة عن کل مترابط يسير باتجاه هدف محدد و هو تنفيذ المشروع الايراني في المنطقة على حساب هموم و معاناة شعوب المنطقة بما فيها الشعب الايراني نفسه.
التدخلات الايرانية المختلفة في شٶون بلدان المنطقة و الاستمرار في تصدير التطرف و الارهاب إليها بالاضافة الى المشروع النووي، لايمکن أبدا اعتبارها مجرد نشاطات و تحرکات و أمور عادية، وانما هي نشاطات و تحرکات و أمور إستثنائية و تتطلب الکثير من الجهد المالي و الامني و العسکري و البشري و اللوجستي، وهي أعباء باهضة التکاليف ذات نتائج و تأثيرات ملفتة للنظر في الاوضاع الايرانية على الاصعدة المختلفة وخصوصا الاقتصادية منها بشکل خاص إذ يکفي أن نشير بأن تکلفة المشروع النووي الايراني لوحده قد کلف الشعب الايراني لحد الان و بموجب اعتراف مصادر من داخل إيران مايمکن تقديره بتکلفة 8 أعوام من الحرب ضد العراق.
الارتفاع المضطرد في ممارسة عمليات القمع ضد الشعب الايراني و التصعيد الغريب من نوعه في تنفيذ أحکام الاعدامات، يقابله أيضا مايزيد على 70% من الشعب الايراني الذي يرزح تحت خط الفقر و أکثر من 15 مليونا يعانون من المجاعة في هذا البلد الغني بثرواته المختلفة، بالاضافة الى أن هناك قرابة 11 مليون عائلة إيرانية تعاني من الادمان على المواد المخدرة ناهيك عن أن عشرات الالاف يعيشون في بيوت من الکراتين، وهذه المعلومات المروعة تفسر من تلقاء نفسها جنوح السلطات الايرانية و بصورة استثنائية نحو الاعتماد على ممارسة القمع و التصعيد في تنفيذ أحکام الاعدام کوسيلة لمواجهة حالة الغضب و السخط المتصاعدين في داخل إيران کانعکاس لتلك الاوضاع المأساوية و الوخيمة.
مزاعم الاعتدال و الاصلاح التي باتت تنطلق من إيران من بعد اختيار حسن روحاني کرئيس للجمهورية، جاءت في نفس الفترة التي تمر فيها إيران بالاوضاع و الظروف أعلاه، والمثير للسخرية الى أبعد حد، إن زيادة القمع و الاعدامات بنسب مرعبة الى الحد الذي تٶکد فيه المنظمات الحقوقية الدولية في مجال حقوق الانسان بأن هذه النسب لو استمرت على هذه الوتيرة فإن إيران سوف تصبح الدولة الاولى في تنفيذ الاعدامات في العالم، وهذا الامر بحد ذاته يکفي للتأکيد على کذب مزاعم الاصلاح و الاعتدال في إيران ومن أنها إحدى الوسائل المعتمدة من جانب النظام لمواجهة الاوضاع المستعصية و السعي من أجل امتصاص الغضب و السخط الشعبي و تهدئة الاوضاع و توفير الامن و الاستقرار للنظام.
في ضوء هذه الاوضاع الوخيمة و مع إعلان الاتفاق النووي بين الدول الکبرى و إيران في 14 تموز الماضي، وماينتظر من تداعيات و نتائج عنه عند تنفيذ بنوده من جانب طهران، فإن هناك الکثير من التحديات التي تنتظر نظام ولاية الفقيه و من الواضح بأنها ستلقي بظلالها على النظام نفسه حيث من المنتظر بأنها ستساهم بالمزيد من تعميق الاختلافات و توسيعها بين أجنحة النظام، وحتى أن الانتخابات النيابية القادمة و کذلك انتخابات مجلس الخبراء، سوف تکون بمثابة ساحتين لتصفية الحسابات و لرص صفوف الاجنحة المتحاربة داخل النظام و التي تواجه تحديات إستثنائية، وبقدر ماإن الانفتاح الدولي على النظام يعطي انطباعا للخارج بإن إيران قد خرجت من محنتها وان المستقبل الافضل ينتظرها، ولکن و عند التأمل في الالتزامات التي يجب على إيران تنفيذها مقابل ذلك و إنعکاسات ذلك على داخل إيران و خصوصا على الشعب الايراني، فإن ذلك يعطي أيضا إنطباعا بإن النظام يعيش محنة و ورطة فريدة من نوعها، ولذلك فإن الاجنحة تتصارع فيما بينها من جهة، و تتحد جميعا لتواجه الشعب المملوء سخطا و غضبا والذي صار أشبه بالبرکان الذي يغلي بقوة و يمکن أن ينفجر بحممه بين لحظة و أخرى.